د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
بدأت أزمنة الدراسة في الاقتراب من الطلاب؛ مما يستدعي التعبئة العامة، وما زالت هناك أصوات تعلو تنبئ عن خلل موضوعي يتكرر عيانًا في آفاق جمعٍ من الطلاب؛ وهو ضَعْف الحماس للمدارس والدراسة وكلاهما كثير خطير!!! فأكثر ما نخشاه أن تكون المدرسة محطة عابرة من المحطات التي يمر بها الطلاب في تطورهم الزمني وليس العقلي؛ وأن يستقر في أذهانهم عبور تلك المحطة بأقل الأضرار والجهد! وأن تتلبسهم المنافسة في أبسط مستوياتها للحصول على درجات التقييم المنهمرة في كثير من الأحيان في ظل غياب تام لتصور المستقبل ومتطلباته والمراهنة عليه! ومن هنا فإن غياب المحفزات المباشرة تفضي إلى نقص الرغبة في التلقي الجديد، وتقاصر القدرة على الاحتفاء ببداياته، فقد يواجه الطلاب صعوبة في رسم حدودهم عندما تهطل عليهم طاقات الفكر! ومن هنا أجزم أن الاحتواء الأمثل للطلاب أفرادًا ومجموعات؛ وتفقد واقعهم، وتفقد عمق الفهم عندهم لمحتوى المقررات وإتقان تطبيقات المنهج، كفيل بأن لا يغادر الطلاب محطاتهم وهم ناقمون على واقعهم؛ وجميع ذلك يجعلنا لا نحتاج إلى أن نقذف التهم عند أي تقصير في التحصيل أو السلوك نقذفه على رؤوس الطلاب، ومع الزمن ندحرج التهم لقيادات المدارس والمعلمين، فالمفاتيح القوية تتلخص في تخصيص الإرشاد الطلابي والاهتمام بموقعه هيكليًا في منظومة التشغيل التعليمي لأنه مقوم أساس لصناعة الطلاب الأسوياء، فواقع الإرشاد الطلابي يحتاج إلى بساط آخر لابد أن يُحكَم نسجه! فليت الإرشاد الطلابي ما له وما عليه وما يلزمه من قوى التنفيذ الصحيحة يكون استهلالاً في العام الدراسي القريب 1443 بمؤتمر تخصصي تعرض فيه التجارب العالمية في المجال، وأن ترفع الجامعات المحلية راية الإرشاد الطلابي في الدراسات البحثية العميقة؛ وأن يُخصص له مقاعد للابتعاث لتأسيس المعرفة الغزيرة في مجالاته المختلفة ومن ثم صناعة المشرعين والمنفذين له من الكوادر البشرية، وتلك الحزم لصناعة النسيج المعرفي المطلوب للإرشاد الطلابي استباقًا للتأثير المدرسي والمجتمعي مستقبلاً بإذن الله.
ولابد لأسلوب التشغيل في المدارس من أن تناله يد مطورة تبدأ حراكها من المدرسة ذاتها، وتطوير أسلوب التشغيل لا يعني التطوير الرقمي الذي حصدنا جوائز العالم فيه؛ فذلكم من إنجازات التعليم المحمودة وإن لم تستطع تلك الجوائز حماية المعرفة التي باتت تغادر عقول الطلاب فور نهاية العام لأن الوجدان بها غير ودود!! كما ونأمل أن ينتشر الهدوء التعليمي وتعود السكينة للمدارس حتى ينعم الطلاب بالدعة الممكنة من التحصيل العقلي والتهذيب السلوكي المراد، فقواعد التأسيس ينبغي أن تكون متينة ولن يشيد البناء من يتجاوز جذور المشكلة إلى حياض المنفذين، وذلك بتكريس الاستجابات الإجرائية على حساب الرؤية والأهداف العامة، ولابد عندما تُقرّر النشاطات التعليمية أن يُدرَس بدقة تأثيرها على المتغيرات ذات العلاقة عند الطلاب، وأن يتم توجيه المدارس لتجعل من الجماعات المتعلمة مصنعًا للإيجابيات الحافزة؛ وأن يكون الاختلاف مصدر فكر تنافسي إيجابي عميق؛ فالتعليم أداة للتغيير والتربية وسيلة للبقاء والتعايش والاستمرار؛ فمن المؤمل أن لا تُصاغ البرامج التربوية اللامعة والمستهدفون الحقيقيون غائبون عن الحضور، والأبرز في واقع المدارس صعوبة إيجاد الوقت والحيِّز لبناء علاقات وجدانية هادفة بين الطلاب ومعلميهم ومنسوبي المدارس، فكم نتمنى تخصيص أوقات ذات اسم وكيان لمشاركة الطلاب في حوار عميق مجزٍ نفسيًا وفكريًا يتجلى فيه إظهار الوعي العاطفي الذي هو من المتكآت التي يجب أن تبنى من الثمين في مدارس التعليم العام حيث التأسيس والبدايات؛ وكل ذلك مما يفتّق إثارة الحماس للتعلم وهي تربية في حد ذاتها؛ كما أنه من اللازم في صناعة المتعلمين أن يكون التعليم منصبَّاً على تشكيل القيم وإنشاء المواقف الإيجابية، وأن تكون عملية بناء المهارات ليست تجميعية بل تصنع للطلاب مزيجًا من التلاؤم مع كونهم مواطنين مسئولين في مجتمعاتهم ووطنهم وفي دوائرهم الأسرية لينقلهم التعليم إلى مفاهيم جدًا دقيقة وعميقة تسندهم في التعامل مع أعماق الأشكال التي تستولد منها أغراض حياتهم وطموحاتهم؛ وموجز ذلك أن أي خطة أو سياسة تعليمية جديدة لابد أن تبدأ بإدراك أهمية آراء الطلاب وجملة ميولهم وأفكارهم وتوجهاتهم نحو المستقبل ليبدو ممكنًا رسم مجال الحياة الذي يدرسونه وتمثيل المستقبل الذي ينشدونه.
كما ينبغي التعاطي الدقيق مع المبادرات الداعمة لعلاقات الطلاب واستثمارها ولأن المدرسة هي بيت الطالب الثاني، فلابد من صلة وتواصل مع بيته الأول وأسرته من خلال إطار تنظيمي واضح وممنهج ومن خلال تخصيص وكالة في كل مدرسة لعلاقات الطلاب لتقوم بهذه المهمة التي تستحق قناة في الهيكل المدرسي لتكون منطلقًا لكل التطلعات نحو شراكة حقيقية؛ فعندما يزهرُ الوجدان الطلابي فسيكون له دور رئيس في قيمة الفرد وفي أهمية حضوره المجتمعي والوطني وفي بناء مستقبله، وعند ذلك سوف تشرق المدارس بالجدية والانضباط، وهما غرس أساس لصناعة الإنسان الذي يؤمن بقيم العمل وأهمية الوقت وحلاوة النجاح والثقة بالنفس والرضا!