الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
حذر أكاديمي متخصص في العلوم الشرعية من المتاجرين بالرقية الشرعية ممن فتحوا بيوتاً ودوراً للرقية وجعلوها مصدراً للتجارة والكسب السريع، وهم في الغالب لا يبيعون إلا أوهاماً وخيالات ولا يروجون إلا بدعاً وخرافات، ولا يهولنكم ما تسمعون من الدعايات عن الراقي فلان بن فلان بأنه عالج فلاناً وفلاناً أو أن الناس يأتونه من الداخل والخارج، ونحو ذلك من الأخبار المتناقلة بلا مصادر موثوقة، فهي مجرد دعايات تجارية يقصد بها جلب المزيد من الزبائن لا غير.
وجدد الدكتور علي بن يحيى الحدادي أستاذ العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التحذير من تعلق القلوب بالرقاة أو بمياههم أو زيوتهم ولتكن القلوب معلقة بالله وحده، فالله هو الشافي والمعافي وهؤلاء ناس كغيرهم من الناس لا سلطان لهم على الأمراض ولا على الجن، وكثير منهم المتاجر المستغل لضعف المرضى وحاجتهم، بأكل أموالهم بأي طريقة أمكنته، وقليل منهم البر التقي الناصح الواقف عند حدود الله، مشيراً إلى أن الرقية من أمراض السحر والمس والعين والحسد وغيرها من الأمراض والأدواء أمر مشروع، فقد جاءت الأدلة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإذن فيها والترغيب فيها والندب إليها، كما دلت التجارب والوقائع على عظم الانتفاع بالرقى الشرعية وأثرها الطيب المبارك بإذن الله في الشفاء والعافية، قال تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فالقرآن كله شفاء لأن (مِن) هنا لبيان الجنس وليست للتبعيض. ولم يخص الله تعالى به الشفاء لمرض معين فدل على عموم شفائه بإذن الله لأمراض الشبهات وأمراض الشهوات وأمراض القلوب وأمراض الأبدان والأمراض المادية والأمراض الروحية، ومن آكد السور والآيات التي ينبغي العناية بها في باب الرقى سورة الفاتحة، وآية الكرسي، وخواتيم سورة البقرة، وسورة الإخلاص، والمعوذتان، لما ثبت فيها بخصوصها من الأدلة الدالة على استعمالها في الرقية أو دل الدليل على أثرها في الوقاية من الشياطين وغيرهم، مبيناً الرقى الثابتة في السنة النبوية الرقية قول «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا» متفق عليه. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن رجلاً شكى إليه وجعاً فقال له: «ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل باسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر» رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا، لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَقَالَ عِنْدَهُ سَبْعَ مِرَارٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ، إِلَّا عَافَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ» رواه أبو داود. إلى غير ذلك من الأدعية النبوية الواردة في باب الرقية.
وأوضح الدكتور علي الحدادي الشروط الثلاثة التي وضعها العلماء لمشروعية الرقية.
الشرط الأول: أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته.
الشرط الثاني: أن تكون باللغة العربية أو بما يعرف معناه في غيرها من اللغات.
الشرط الثالث: أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى.
وأضاف الدكتور الحدادي في حديثه قائلاً: إن الرقية لما مارسها من ليس لها بأهل بسبب قلة العلم أو رقة الديانة دخلت فيها كثير من المحاذير والمخالفات الشرعية ومنها على سبيل المثال:
أولاً: الرقى بالطلاسم والكلمات المجهولة المعاني، وقد تقدم أن من شرط الرقية أن تكون بكلام مفهوم المعنى، ومن يستعمل الطلاسم في علاج المريض هو في حقيقة الأمر كاهن أو ساحر أو مشعوذ دجال يتظاهر بالصلاح والخير.
ثانياً: طلب الراقي من المريض أن يتخيل صورة العائن أو الحاسد أو من تسبب في سحره فيغمض المريض عينيه وقد يتمثل له الشيطان في صورة أخيه أو زوجته أو صديقه فيحصل من جراء ذلك التقاطع والتهاجر والتدابر بين الأقارب بناء على وسوسة الشياطين وتخييلاتهم بسبب جهلة الرقاة أو فساقهم.
ثالثاً: طلب الراقي من المريض أن يكرر بعض الآيات أو الأذكار أو الأدعية بعدد معين في وقت معين بلا دليل شرعي، وقد لا تكون هذه الأذكار والأدعية المخصوصة لهذا المرض واردة أصلاً في الكتاب ولا في السنة. وتعيين عدد أو وقت للذكر والدعاء بل دليل شرعي نوع من البدع والمحدثات.
رابعاً: القراءة الجماعية على المرضى بالصوت مباشرة أو من خلال مكبرات الصوت، وهذه الرقية الجماعية من البدع والمحدثات فلم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه إنما الرقية تكون على مريض واحد يرقيه الراقي وينفث عليه.
وقد توسع بعضهم فصار يرقي المرضى عن طريق الاتصال بالهاتف، وتوسع بعضهم أكثر فصار يرقي وهو جالس في مدينته مريضاً يقيم في مدينة أخرى بلا اتصال بل يتجه بوجهه إلى مدينة المريض ثم ينوي رقيته ويشرع في القراءة، وقد أفتى أهل العلم والبصيرة بأن هذا كله من العبث واللعب بالرقية ومن الإحداث فيها ما لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
خامساً: مجاوزة الحدود الشرعية في رقية الراقي للمرأة الأجنبية عنه وذلك بالخلوة بها أو بمس جسدها أو بالتحرش بها وبما هو أدهى من ذلك والعياذ بالله.
ولا يجوز للراقي أن يخلو بالمريضة ولا يجوز له أن يمسها لأنه لا حاجة للمس أصلاً لأن الرقية هي تلاوة آيات وأدعية نبوية ونفث وذلك كله لا يحتاج إلى لمس.
سادساً: أكل أموال الناس بالباطل وذلك بالمبالغة في طلب المال من المريض استغلالاً لحاجته فللدخول مبلغ معين، وللجلسة العامة مبلغ وللجلسة الخاصة مبلغ أعلى، وللقراءة المركزة مبلغ أعلى وأعلى. ومن خلال المبالغة في أسعار الماء والزيت والعسل بدعوى أنه مقروء فيه. وإذا تحققت ربما اكتشفت أنه غير مقروء فيه وذلك لكثرة الكراتين وكثرة العبوات وبعضها محكم الإقفال لم يفتح.
ومنهم من بلغ به الحال أن يقرأ على المحلول الطبي ثم يحقن به المريض في الوريد بدعوى أن هذه الطريقة أسرع وأقوى في الشفاء لأن الشيطان يجري في العروق مجرى الدم. وهذا من الجهل والسفه، لأن هذه الطريقة قد تؤدي إلى الموت أو تلف بعض أعضاء المريض.
سابعاً: الاستعانة بالجن وجلود الذئاب لمعرفة الممسوس من غيره وهذه وسائل شركية ومظاهر خرافية فالجن لا تعلم الغيب، والاستعانة بها لا تجوز فإنها لا تعين الراقي إلا أن يبذل لها دينه والعياذ بالله. ودعوى خوف الجن من الذئاب خرافات وأساطير لا دليل عليها.
ثامناً: تعذيب الرقاة للمرضى بالخنق والضرب والصعق بالكهرباء مما قد يلحق بهم الآفات والأمراض أو حتى قد يؤدي بهم إلى الوفاة، وإلحاق الرعب والفزع بهم وبمرافقيهم حين يجمعون الجميع في صالة واحدة مع ما يصاحب ذلك من الصرع والصراخ والمناظر المزعجة المخيفة حتى ربما مرض الصحيح السليم ودخله الوهم والوسواس.
واختتم د.الحدادي حديثه بالقول: إن الرقية أمر ميسور لا كلفة فيه فلنتعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها وذلك بقراءة ما تيسر من القرآن كالفاتحة والإخلاص والمعوذتين والنفث على المريض. وكذلك القراءة على النفس بالنفث في الكفين ثم مسح الجسد بها، وقد رأى طلبة العلم كيف كان يرقي كبار أهل العلم من أهل التقوى والصلاح لا يزيدون على ما ورد في الأحاديث والآثار.