سلطان المواش - الرياض/ تصوير - د. شبراق:
تشهد بلادنا في مثل هذه الأيام ارتفاعًا ملموسًا في درجات الحرارة تقترب في بعض الأماكن من الـ50 درجة مئوية، وبالرغم من هذا الارتفاع في درجات الحرارة، إلا أننا نجد أنواعاً من الحياة الفطرية بوطننا الحبيب تتعامل مع هذه الأجواء باحترافية يتعاضد فيها السلوك وأجزاء الجسم الداخلية والخارجية لتجعل من هذه الحرارة برداً وسلاماً -بإذن الله- عليها، بل إن بعضها كالطيور تجعله موسماً مهماً من دورة حياتها، فخلالها تتكاثر وبعضها يهاجر، لتقدم لنا دروساً في كيفية التعامل مع هذه الأجواء الصعبة، كما أن رؤية المملكة 2030م تنظر إلى البيئة والحياة الفطرية كجزء مهم في الوصول إلى التنمية المستدامة، والتي منها السياحة البيئية والتي تمثل جزءًا مهمًا في التنمية، ومنها السياحة البيئية التي بدأت تتزايد خلال العقديين الماضيين..كسياحة مشاهدة الطيور وتصويرها.
* ولفهم أكثر عن حياة الطيور في بلادنا خلال فترة الصيف، توجهنا لخبير الطيور السعودي والعالمي البروفيسور محمد بن يسلم شبراق عضو هيئة التدريس بجامعة الطائف والعضو في مجلس إدارة المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية وعضو اللجنة العلمية الاستشارية لمذكرة التفاهم للمحافظة على الطيورالجوارح المهاجرة بين أفريقيا وأوروبا وآسيا.
وقال الدكتور محمد شبراق لـ«الجزيرة»:
مجموعات الطيور في فصل الصيف
الطيور الموجودة بالمملكة في فصل الصيف يمكن تقسيمها إلى مجموعتين رئيستين هي: الطيور المقيمة المتكاثرة والطيور المهاجرة. بالنسبة للطيور المقيمة المتكاثرة فيمكن تقسيمها لمجموعتين: الأولى مجموعة مقيمة تتكاثر في فصل الصيف، وهذه موجودة في المناطق الجبلية المرتفعة، والثانية هي طيور تكون قد أنهت فترة التكاثر وبدأت تتجول مع صغارها حول مناطق تكاثرها وبعضها يبتعد لمسافات من مناطق تعشيشها، ففي دراسة تمت بمحمية الإمام سعود بن عبدالعزيز (محمية محازة الصيد سابقاً) بعد تثبيت جهاز متابعة على عدد من فراخ نسر الأذون (Lappet-faced Vulture) قبل مغادرتها العش في شهري مايو ويونيو تم العثور عليها بعد شهرين على مسافات تبعد بين 300-500كم من المحمية، وهذه الحركة تعرف بهجرة الانتشار (Dispersal) حيث تبدأ الصغار باكتشاف ما حولها والاعتماد على نفسها.
وهناك مجموعة من هذه الطيور المقيمة التي قد يمتد فترة تكاثرها لفترات الصيف مثل الطيور بالمناطق الجبلية بجنوب غرب المملكة كنقار الخشب العربي، وهناك طيور أخرى بالمناطق الصحراوية التي قد يمتد فترة تكاثرها لفترات الصيف الحارة والمرتبط بهطول الأمطار الصيفية والتي توفر معها الغذاء، وعليه فإن هذه الطيور تقوم بسلوكيات عجيبة للتخفيف من تأثير درجات الحرارة العالية، وهذه السلوكيات من المواضيع الجميلة والعجيبة والتي تحكي قصة حياة هذه المخلوقات وتَغَّلُبها على التحديات المناخية.
أما المجموعة الثانية من الطيور الصيفية وهي مجموعة الطيور المهاجرة والتي يمكن تقسيمها لثلاث مجموعات هي: مجموعة الطيور المهاجرة المتكاثرة، ومجموعة الطيور المهاجرة العابرة، وأخيرًا الطيور المهاجرة المقيمة وغير المتكاثرة.
بالنسبة للطيور المهاجرة المتكاثرة وهي أنواع من الطيور تأتي للمملكة للتكاثر في هذا الوقت من الصيف لتغادر بعدها إلى مناطق تقضي فيها فترة أخرى من حياتها، ومن أهم هذه الأنواع الطيور البحرية كطيور الخرشنة (Terns)، والتي يصل بعضها قادمًا من مناطق شرق آسيا والساحل الشرقي لأفريقيا للتكاثر بالجزر في البحر الأحمر والخليج العربي. والعجيب أن بعضها سجل بعد تحجيله بالمملكة بمناطق بعيدة جداً، فقد سجل طائر خرشنة مقنعة (Bridled Tern) تم تحجيله وهو فرخ صغير في جزيرة بالخليج العربي وجد بجزيرة بالي الأندونيسية بعد تسع سنوات من تحجيله.
كذلك هناك طيور أخرى على اليابسة تأتي من أفريقيا لتتكاثر بالمملكة ومن ثم تغادرها في منتصف الخريف وبداية الشتاء لمناطق بأفريقيا، ومن هذه الطيور طائر الزَرْزُور مجوَّف ويعرف أيضاً بالزرزور أبيض البطن وهو من الطيور الجميلة خاصة الذكور التي تتميز باللون البنفسجي، لذا يسمى في بعض الكتب بالطائر بنفسجي الظهر، وهو يأتي من أفريقيا ليتخذ من التجاويف التي عملها نقار الخشب العربي مكاناً للتعشيش ووضع البيض، ومن الطيور الأخرى بالمناطق السهلية والتي تأتي من أفريقيا القَارِية الصَدْرَاء، ويقال له أيضاً الوروار أبيض الحلق، ويصل لمناطق بتهامة للتكاثر في جحور بالعقوم الترابية حول المزارع وفي التربة الطينية الجافة على ضفاف الأودية.
أما المجموعة الثانية من الطيور المهاجرة وهي: الطيور المهاجرة العابرة والتي يبدأ وصول طلائعها في النصف الأخير من الصيف وبداية الخريف مثل طيور الدخل والتي تعبر المملكة خلال هجرتها لتقضي فترات الخريف والشتاء في مناطق بأفريقيا. وأخيرًا الطيور المهاجرة المقيمة وغير المتكاثرة، وهذه طيور هي بالأصل مهاجرة لكن بعضها يبقى مع توفر الغذاء بالمملكة ومنها طائر الفنتير والذي يعرف بالنحام الكبير، والذي نشاهد مجموعات صغيرة منه على شواطئ بلادنا الشرقية والغربية خلال فصل الصيف، وتبدأ أعدادها مع نهاية الصيف والخريف بالتزايد مع وصول المجموعات المهاجرة العابرة منها لتصل أعدادها في الخريف إلى الآلاف.
سلوكيات الطيور في فصل الصيف
- جميل دكتور محمد هذا التقسيم.. لكن لو أمكن تحدثنا عن كيفية تعامل الطيور مع الأجواء الصيفية، فكما تعرف أن المملكة غنية ببيئاتها المختلفة، فهناك الجزر والسواحل وهناك الصحاري الجافة والمناطق الجبلية، والطيور بهذه البيئات المختلفة لها طرق وسلوكيات تنتهجها في هذه الفترة من العام تختلف عن بعضها، فيا حبذا لو ألقيت الضوء بشكل مبسط للقارئ عن كيفية تعامل هذه الطيور مع هذه الأجواء المرتفعة الحرارة؟
شكراً على هذا السؤال والذي إجابته تجعلنا نتدبر في خلق الله..{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء} (88) سورة النمل، والحقيقة أن هذا الموضوع بحر لم يُعرف قاعه إلا مناطق قليلة منه، لذا سوف أركز حديثي على سلوكيات الطيور في فترة الصيف فقط، فالطيور أخي سلطان لها تكيفات سلوكية وفسيولوجية وشكلية تساعدها على عبور فترة الصيف بسلام، وهذه الفترة تتميز بأشعة شمس قوية ودرجات حرارة عالية ورطوبة منخفضة، بالإضافة لزيادة في طول مدة النهار، وقد تمر أحياناً بفترات جفاف طويلة،كما أن نقص المياه في هذه الفترة ربما تكون من أكبر التحديات التي تواجهها الطيور والحيوانات الأخرى بالصحراء والتي تعوق قيام الأعضاء الداخلية بوظائفها اليومية، يقول الله سبحانه وتعالى {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (30) سورة الأنبياء، فمن السلوكيات التي تقوم بها الطيور الصحراوية هو الذهاب إلى الظل سواء كان ذلك أشجارًا أو شجيرات أو صخورًا وبعضها يدخل جحور الضب والتي تقل درجة الحرارة بالداخل بأكثر من 10 درجات عنها بالخارج وتبقى داخلة تقريباً طوال فترة النهار وذلك من التاسعة صباحاً إلى الخامسة عصراً، وهذا السلوك يقلل من فقدها الماء بنسبة تصل إلى 80 %، صحيح أن هذه الفترة طويلة وتقلل فترة تغذيها بالنهار، لكن أظهرت دراسة بالمملكة أن طيور أم سالم (Hoopoe Lark) لها القدرة على تقليل العمليات الأيضية داخل أجسادها بنسبة تصل إلى 40 % بمقارنتها بأنواع قبرات بمناطق منخفضة درجة الحرارة، كما أنها لها القدرة على تصغير أحجام أجهزة الهضم بالجسم بنسبة 25 % وكأنها تقوم بعملية تكميم للمعدة حتى تقلل نسبة الغذاء التي تحتاجه، وهذا يتناسب مع الوقت القصير المتاح لها للتغذية وكذلك مع قلة الغذاء في الصيف، بالإضافة لذلك فالكثير من الطيور الصحراوية تقوم بعملية مشابهة للهاث وذلك بفتح مناقيرها للتخلص من الحرارة الداخلية.
كما أنها خلال مواسم التكاثر تبني أعشاشها على الأرض وذلك في فترات الأجواء الربيعية المنخفضة الحرارة، وعندما ترتفع درجة الحرارة في نهاية شهر أبريل ومايو وأحيانًا تمتد إلى يونيو نجدها تبني أعشاشها فوق الحشائش والشجيرات، وذلك للابتعاد من سطح التربة والذي تزيد درجة حرارته خلال هذه الفترة، كما أنها تقلل من عدد البيض فنجد أنها تزيد في فترة الربيع لتصل إلى ست بيضات، لكن مع ارتفاع درجة الحرارة في شهر مايو تضع بين 2-3 بيضات فقط، وفي أوقات الجفاف لا تتكاثر أصلاً.
ومن السلوكيات الجميلة لطيور أم سالم والطيور الصحراوية الأخرى هو الاستفادة من بعض النباتات لتبريد أجسامها، مثل نبات السطيح واسمه العلمي Corchorus depressus ويطلق عليه أهل البادية بكزبرة الصحراء، وهو نبات سطحي فتقوم بإلقاء أجسادها عليه لفترات معينة للتخلص من حرارة أجسادها.
نسر الأذون والصيف
- اسمح لي دكتور محمد أن أقاطعك.. فأنت تتكلم عن طيور صغيرة الحجم فماذا عن الطيور الصحراوية الكبيرة الحجم كنسر الأذون وحسب علمي أنك قمت بدراسات عنه بمحمية الإمام سعود بن عبدالعزيز.
- لو صبرت عليَّ شوي لكنت أخبرتك، فهذا النوع يعتبر أحد أكبر الطيور بالمملكة يصل وزنه من 6-9 كم، وله فترة تكاثر طويلة فهو يضع بيضة واحدة فقط في أعشاش كبيرة يبنيها على الأشجار، وذلك في شهر ديسمبر - يناير، ويتساعد الأبوان على حضانة البيض لمدة شهرين تقريباً (54-56 يومًا)، وهذا يعني أن الفرخ يخرج من البيضة في الفترة بين مارس وأول أبريل، بعدها يتساعد الأبوان لرعاية الفرخ لمدة تصل بين 120-150 يومًا، وبعدها يبدأ بمغادرة العش بشكل تدريجي، وهذه الفترة هي من أصعب الفترات على الفراخ والتي يبقى منها القوي القادر على البقاء، المهم هنا أن الفرخ يأتي عليه الصيف وهو ما زال بالعش مكشوفاً تحت أشعة الشمس المباشرة، فلو تخيلت أن درجة الحرارة في شهر يونيو تصل إلى 48 درجة مئوية في الظل، لكن تحت أشعة الشمس المباشرة تصل بين 65-70 درجة مئوية، وعليه فإن على الفرخ بالعش تحمُّل هذه الدرجات العالية خاصة أن والديه يتركانه وحيداً بالعش وعمره بين الشهر والشهرين، وهذا يعني أنه يواجه هذا التحدي وحيداً، فسبحان الله.. علم هذا الفرخ الصغير على كيفية التعامل مع هذه الأجواء الصعبة، فقد لوحظ أن الفرخ يقوم بتشكيل وضع الجسم بعكس اتجاه الشمس مع تغطية الأجزاء من جسمه الخالية من الريش كالأرجل والرأس بعيداً من أشعة الشمس المباشرة، كما يقوم بفتح الجناحين قليلاً ليسمح للهواء بالمرور ليبرد الأوردة تحت الجناح، كما أن الريش على ظهر الطائر يلعب دورًا مهمًا كعازل يحمي جسم الطائر من أشعة الشمس.
وللنسور قدرة في التحكم بدرجات حرارة أجسامها يجعلها قادرة على تقليل أثر الحرارة عليها، ولو علمت أخي سلطان أن الدهون الموجودة داخل خلاياها بالمخ تذوب عند درجة 45 درجة مئوية، وهذا يعني أن ارتفاع درجات الحرارة ربما يؤثر على الأعضاء داخل أجسامها، ولكن نجد هذه النسور تتعامل مع هذه الأجواء بكل اقتدار، ولفهم أكثر عن كيفية قيامها بذلك فقد قمنا بزرع أجهزة متابعة لدرجات الحرارة داخل جسم فراخ النسور فوجدنا أن درجة الحرارة عندها تتغير خلال اليوم والليلة بين 37-43 درجة مئوية، حيث تصل في الساعة الثامنة صباحاً حوالي 37 ثم تبدأ بالتزايد لتصل ذروتها بين الظهيرة والساعة 15:00 بعدها تبدأ بالتناقص التدريجي إلى أن تصل لأدنى درجة حرارة لجسمها عند الساعة الثامنة من صباح اليوم التالي، وربما هذه الزيادة في درجة حرارة الجسم مهمة لتقليل عملية الفقد من الماء داخل الجسم، والحقيقة لا زلنا نحتاج لدراسة هذه النسور أكثر لفهم هذا التكيف مع قلة فترات التغذية للفرخ لمرة أو اثنتين باليوم وأحياناً لا تصله الوجبة إلا بعد 24 ساعة، أي أنه لا يحصل غذاء ليوم كامل، أي أن هناك شحًا شديدًا في كمية الماء المتحصل عليها من الغذاء ومع ذلك فبسلوكيات الفراخ وقدرتها الفسيولوجية التي وهبها الله عز وجل لها تسطيع أن تعبر فترة الصيف بأمان.
الطيور البحرية والصيف
- جميل دكتور محمد ما ذكرته عن الطيور بالمناطق الصحراوية، لكن ماذا عن الطيور البحرية والتي تتكاثر في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة؟
ما شاء الله عليك أخي سلطان أنت تريد تغطي كل شيء صحراء وبحرًا، لكن أبشر حاضرين واختصرها من دراسة رائعة تمت على طائر الخرشنة بيضاء الخد (White-cheeked Tern)، قام بها زملينا أ. عبدالله السحيباني بالخليج العربي، والتي أشارت أن طيور الخرشنة التي تحضن البيض تقوم بسلوك بالأوقات الحارة من اليوم تصل درجة حرارة سطح الأرض قريباً من 60 درجة مئوية عرف علمياً بسلوك الامتصاص البطني (Belly-soaking Behavior)، حيث يترك حضانة البيض ليذهب للبحر لتبليل ريش بطنه بماء البحر والعودة في مدة تقل عن 30 ثانية لتبريد البيضة وأرضية العش بماء البحر، صحيح أن درجة الحرارة ترتفع عند ترك الطائر للبيض مكشوفًا لأشعة الشمس مما يزيد درجة حرارة سطح البيضة إلى 2.8 درجة مئوية، لكن حال وصول الطائر المبلل بطنه بماء البحر تنخفض درجة سطح البيضة 4.2 درجة مئوية، كما تنخفض درجة حرارة العش بحوالي 6.7 درجة مئوية، وهذا كله يتم خلال فترة وجيزة بين 3-4 دقائق فقط، وهذا السلوك تقوم به طيور بحرية أخرى مثل الخرشنة المتوجة الصغيرة (Lesser Crested Tern)، وهناك طيور أخرى بحرية ومائية (الخواضة) التي تتكاثر في فصل الصيف بالبيئة البحرية لها سلوكيات مختلفة لتفادي درجات الحرارة، فمثلاً طائر الزقزاق الإسكندراني (Kentish Plover) يقوم برفع جسمه خلال حضانة البيض وفتح جناحيه قليلاً حتى يدخل الهواء بين البيض ليبرد جسمه، وهناك طائر الحنكور (Crap Plover) وهو من الطيور المميزة لمنطقتنا بالبحر الأحمر والخليج العربي والذي يضع بيضه في جحور تحت الأرض يصل طولها تقريباً للمترين. وهنا أود الإشارة لأهمية الحذر عند زيارة الجزر وقت التعشيش للطيور البحرية والتي يتسبب في إزعاجها فتترك البيض لفترات أطول مما قد يؤدي لموت الأجنة وأيضاً الفراخ التي لا تقوى على تحمل درجات الحرارة العالية.
أهمية فهم حياة الطيور في الصيف
- أشكرك د. محمد على هذه المعلومات القيمة عن طيور وطننا الغالي، لكن قبل أن أنهي اللقاء لدي سؤالان، الأول بخصوص الرياح المحملة بالغبار وأثرها على الطيور في فصل الصيف، والثاني ما هي أهمية دراسة وفهم الطيور في هذا الوقت من العام؟
بالنسبة الرياح المحملة بالغبار والتي نراها تزداد في السنوات الأخيرة نتيجة لعوامل كثيرة، لكن أود القول أن الله لم يخلق شيئًا إلا بحكمة، صحيح أن هذه الرياح تضر بالصحة وتسبب أمراضًا تنفسية، لكنها مهمة للحياة على الأرض، فهي تحمل حبوب اللقاح كما تحمل تربة لتخصيب تربة أخرى، حتى الكائنات بالبحر تستفيد منها فهي جزء من النظام البحري لدينا، فالأتربة بهذه الرياح تقدم المواد العضوية الضرورية لتقوم الكائنات النباتية الدقيقة للقيام بعمليات تنتج فيها الأكسجين تستفيد منه الكائنات البحرية وحتى الإنسان، وتتغذي عليها أيضاً القشريات الصغيرة وكائنات أخرى لتبدأ معها سلسلة النظام الغذائي بالبيئة البحرية.
أما فهمنا لهذه الطيور وسلوكياتها وتكيفاتها الفسيولوجية والمورفولوجية فله فوائد قد لا نعلم منها إلا القليل، لكن لو علمنا أن الأنواع التي تعيش في هذه البيئات الهشة تزودنا بمعلومات يمكن أن تفيدنا لرسم حياة أفضل لمستقبلنا، فكما تعلم أن العالم يتكلم عن ارتفاع درجات حرارة الأرض والمناطق الصحراوية هي من أكثر المناطق تأثراً بهذا الارتفاع، ولو نظرنا إلى استخدام الطيور الصحراوية لجحور الضب والتي تقول لنا عند بناء بيوت بالصحراء ربما من المهم أن تكون تحت الأرض لتقليل صرف الطاقة والاستفادة من انخفاض درجات الحرارة تحت الأرض، وعليه ربما يستحسن إنشاء منتجعات تحت الأرض بالمحميات الطبيعية لتقليل صرف الطاقة. وهناك أيضاً موضوع زيادة الحشرات في فترات الصيف ودور الطيور للتغذي عليها مما يقلل من تأثيرها السلبي على البيئة، كما يوفر علينا مبالغ كبيرة لو أردنا التخلص من هذه الحشرات الضارة.
وقبل أن أنهي حديثي أخي سلطان أود أن أشير إلى أن حكومتنا الرشيدة قد اهتمت بموضوع البيئة في رؤية المملكة 2030 فالإستراتيجية العامة للبيئة وإنشاء المراكز ومبادرة «المملكة والشرق الأوسط الأخضر»، والتي أطلقها سيدي ولي العهد ومشاريع الطاقة المتجددة التي تؤدي إلى تنمية مستدامة، كما أن إنشاء هيئة للبحث العلمي والتي أرجو أن تكون من أولوياتها فهم تكيف الطيور والحيوانات مع البيئة الصحراوية لوضع حلول للعيش في فترة التغيرات المناخية القادمة التي تمر بها أمنا الأرض.