رمضان جريدي العنزي
التشاؤم في حد ذاته صورة داكنة ومعتمة، يثير الحزن والأسى والقنوط، يغتال الآمال، ويهدم الأحلام، ويخسف بالتطلعات، ويزرع الإحباط، نتائجه رهيبة سلبية وموحشة، يحكى أن الشاعر ابن الرومي كان إذا رأى قطًا أسود وهو خارج من الدار، عاد إليها ولم يخرج منها طوال اليوم، لكن الوقائع تثبت مرة تلو الأخرى أنه لا رؤية قط أسود تجلب النحس، ولا فضلات الطيور التي تتساقط على السيارة، أو على نوافذ البيوت، ولا نثر الملح أمام باب الدار، أو رؤية حذاء أو صندلاً أو شبشبًا مقلوبًا، يحدث أمرًا، أو ينتج موقفًا، أو مانعًا لسوء الحظ، أو جالبًا له. إن التشاؤم عادة سيئة، ضعف بالإيمان، وعيش في الأوهام، وتخيلات شيطانية، واتباع للظن، وتثبيط للعزائم، وتعطيل للقدرات. ولخطر التشاؤم والطيرة؛ عدَّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الجِبت، الذي هو السحر فقال: (العيافة والطيرة والطَّرَق من الجبت). إن التشاؤم حالة سوداوية، لا يعرف صاحبه غير العويل واللوم والأنين وندب الحظ، مرعوب وخائف ومتوتر قلق وكئيب، وعنده فجوة كبيرة فيها ندوب ومطبات وحفر، بعيد جدًا عن الحياة السوية، والآمال السعيدة، والراحة النفسية، وصدق من قال:
وما عاجلات الطير تدني من الفتى
نجاحًا ولا عن ريثهن قصور
إن على المتشائمين أن يعرفوا جيداً بأن عجلة الحياة لا تتوقف، وهي في دوران مستمر، وعليهم الأسراع باللحاق بها وإلا فإنهم لن يواكبوا سرعتها، عليهم أن يطوحوا بتشاؤمهم الأسود بعيدًا، لكي ينجحوا ويلحقوا بالركب، أن النملة كائن صغير ومع هذا فهي في عمل دؤوب دون قنوط طوال النهار وبإصرار تام، تسقط منها حبة القمح فتعاود حملها، وكلما سقطت منها تحاول حملها دون يأس أو تردد، أتعرفون أن أسوأ شيء يعمله الإنسان في حياته أن يضع رجلاً على أخرى ثم يحلم بأحلام كبار.