ميسون أبو بكر
بزغ نجم فنان استطاع أن يضع بصمته بقوة في الساحة الفنية التي احتفظت طويلاً بأبطال ندر ألا يشكلوا عصبة - فريق- في كل عمل، وكما يقول المثل «قلنا صفوا صفين قالوا كلنا اثنين» وهؤلاء الأبطال أمتعونا سنوات بأعمال متنوعة فكاهية ودرامية إلا أن الزمن وفعله العجيب لا ينجو منه حي، فشعرنا بترهّل في الأعمال التي قدمت مؤخراً وأن الدراما السعودية بحاجة إلى ضخ دماء جديدة وروح جديدة تختلف عن حقبات سابقة فرض فيها المجتمع نمطاً معيناً نتيجة لظروف كثيرة تحداها الفنانون السعوديون بما استطاعوا لذلك سبيلاً.
فتح ملفات قديمة -كان مقفلاً عليها بقفل العادات والأعراف والأفكار التقليدية - جعل للأعمال الأخيرة حضوراً وبهجة في استعراض تاريخ اقتصر تذكره في المجالس المقفلة وفي ذاكرة الذين عاشوها، ولأن الفن ذاكرة للحياة وتأريخ للأحداث ولغة سهلة جذابة وممتعة كان لا بد من فتح تلك الملفات ليكون فيها العبرة ولتكون شاهداً على بطولات سعودية لرجال الأمن الذين كانوا بالمرصاد لكل من يحاول العبث بأمن هذه الديار واستقرارها، ولنتذكر دائماً أن المسلسل مستلهم من قصة حقيقية وليس كل القصة لأن العمل الدرامي يستلزم ذلك كما أشار الفرحان في لقاء العربية به في برنامج «تفاعلكم» مؤكداً أن المسلسل ليس وثائقياً أو سيرة ذاتية كما يعتقد البعض.
من جهيمان إلى رشاش قصص مثيرة يعرف عنها كل السعوديين وغيرهم أيضاً، ولعل تجسيد الفنان يعقوب الفرحان لهذه الشخصيات الجدلية أضاف بعداً أكبر لطاقاته الفنية التمثيلية وتمكنه وزملاؤه في العمل من النجاح ودخول كل بيت سعودي لديه الشغف في قراءة أو استعراض قصة حدثت وتحدث بها الآباء والأجداد.
لا أنكر أنني في بدايات الإعلان عن مسلسل «رشاش» الرجل الخارج عن القانون، قاطع الطريق كنت ضد تجسيد شخوص إجرامية لكن سرعان ما تبدلت وجهة نظري، فلمس الجرح أفضل من إهماله، ويمكن للفن الراقي أن يستعرضه بطريقة ناجحة ترسخ الجهود العظيمة للقوات الأمنية التي أبلت بلاءً حسناً في تفكيك العصابة التي هددت العباد كما ترسيخ القيم التي نود للشباب أن ينهلها وإن وجدت حالات شاذة عند بعض الشباب الذين قد تثير هذه الشخصيات مواهبه في التقليد البريء كما حدث وعرضت بعض المقاطع الهزلية، ولعلها فرصة لاستقطاب البعض في التمثيل مثلاً.
صديقتي قصت عليّ أن والديها كانا يعاتبانها عندما تمضي ورفيقات الحي من الأطفال في الخارج لوقت متأخر ويخوفانها من رشاش الذي قد يأتي لسرقتها، فعرفت كم عاش المجتمع هذه القصة بأشكال مختلفة ومخيلة كان من الجميل أن يتناولها الفن الذي لا ينجو من الأخطاء أو لمسات درامية قد تغير من التفاصيل الحقيقية كما أسلفت في مقالي.
ولأن التجربة جديدة في المشهد الفني السعودي فقد نقفز عن بعض الأخطاء التي سيتجاوزها الممثلون بعد خبرة في الأعمال المقبلة، التي قد تحمل تواقيع أكثر لمبدعين عرب وسعوديين في الكتابة والإخراج.
يعقوب الفرحان الذي خرج أول عمل إبداعي له من «العاصوف» ومن رحم أسطورة الفن السعودي ناصر القصبي في تجسيده لشخصية «جهيمان» سيكون اسماً لا ينسى وعلامة فارقة في المرحلة الجديدة للفن السعودي، تحية لأبي يوسف والفنان نايف الظفيري وفايز بن جريس وعبدالله البراق وحكيم جمعة وإبراهيم الحجاج وأيمن المطهر وخالد يسلم وسمية رضا وآخرين.