أ.د.عثمان بن صالح العامر
من اللحظات الراسخة في الذاكرة ولا يمكن لها أن تنمحي، أو تزول، صبيحة غزو الجيش العراقي الكويت في الثاني من شهر أغسطس سنة 1990م.
كنت حينها في الأسكندرية، نزلت بهو فندق شيراتون المتنزه، وإذ به على غير العادة يكتظ بالناس، والصمت يخيم على المكان، والوجوه كالحة، والأنفاس محبوسة، وكلمات اللعن والسب والشتم تسمعها من بعيد ممن يقفون على شباك مكتب صرف العملة وتغييرها. اتجهت نحو ذلك الضجيج وإذا بلوحة أسعار العملات تخلو من سعر صرف الدينار الكويتي مقابل الجنيه المصري.
بصراحة لحظة تاريخية صعبة جداً، الكل من الكويتيين الذين تواجدوا هناك لا يعرف ماذا سيؤول إليه أمر حياته ومن معه من أفراد أسرته خاصة أن موقف السفارة الكويتية في القاهرة لم يتضح بعد، والضبابية ما زالت تغلف المشهد بأكمله، والأقوال والتحليلات متضاربة، والكثير منها مجرد تخمينات مخيفة، والشيء الذي حز في النفس أن هناك من الموجودين من كان يتهم المملكة قبل أن تفتح حدودها بضلوعها في هذا الغزو الغاشم الذي اختار هذا التوقيت بالذات حيث إن غالبية أهل الكويت يقضون إجازاتهم السنوية إما في لندن، أو باريس، أو القاهرة، والقلة القليلة في منطقة عسير جنوب المملكة، أو غير ذلك، يختلف بلد التصييف حسب الطبقة الاقتصادية، والعلاقات الاجتماعية.
حرصت كثيرًا على قراءة الصحف المصرية إبان مكوثي هناك، سواء حين كنت بالأسكندرية أو عندما انتقلت للقاهرة وسكنت قريبًا من السفارة الكويتية لأرقب المشهد عن كثب، واستمع إلى حكايات الساكنين في الفندق نفسه عند نزولهم للبهو ونقلهم ما يجري داخل الكويت. أقول كنت متابعاً لما يكتب في الصحف المصرية وغالبها أخذ طابع التشاؤم والسوداوية لما ستؤول إليه الأحوال في المنطقة على وجه العموم خاصة الكويت ومن بعدها السعودية، حتى أنني كنت في اليوم أتصل صباح مساء على الأهل خوفًا وهلعاً من التطور السريع في الأحداث. وما أن أقلتنا طائرة الخطوط السعودية ووصلنا مطار الملك خالد في الرياض حتى انقشع ذلك الخوف الذي تلبسني فصرت أتخيل الجندي العراقي هو من سيقابلني أول نزولي المطار. إن مثل هذه الأحداث المفصلية في تاريخ الدول يبقى أثره لا ينمحي من ذاكرة الشعوب فضلاً عن القادة والجنود، كما أن هذا الحدث لا يمكن أن يُزال من صفحات التاريخ. وكنت أتصور وأنا القابع بعيداً عن السياسة ودهاليزها أن تأخذ دول المنطقة درساً من هذا الحدث، فتكون إلى التكامل والتكاتف والتعاون والاتحاد أقرب منه إلى التفرد والتباعد والشتات، ولكن!!! فاللهم احفظ بلاد الخليج، ووحِّد كلمتهم، وانصرهم على عدوهم، وإلى لقاء والسلام.