د. محمد بن إبراهيم الملحم
فيما تقدم ذكرت لكم تاريخ الواجب المنزلي وطرفاً من معركته التي حاول فيها أنصاره أن يثبتوا بالبحث العلمي أهميته وأن له أثراً ذا دلالة إحصائية في تحسين تحصيل الطلاب بينما أعلن المعارضون للواجب أن ممارساته السائدة لا تقدم فائدة تعليمية وإن ادعت الأبحاث أن هناك منافع، فغالبية المعلمين لا يصححون الواجبات لتقديم تغذية راجعة للطالب يتعلم منها ويفهم نقاط ضعفه، كما أن الطفل الذي لا يوجد من يساعده في المنزل أو تكون مدرسته ضعيفة تعليمياً يتعرض للاضطهاد بهذا الواجب فلا هو يستطيع الحل ولا هو يتعلم من الواجب، بل إن هذه الممارسة ذاتها تمثل عاملاً سلبياً يقوض ثقته بنفسه ويعزز اعتقاده بضعفه الدراسي يوماً بعد يوم وواجباً بعد واجب، والأسر من هذا النوع في مجتمعنا كثيرة، ولك أن تتوقع كم الإحباط النفسي، وبالنسبة للأسر المتمكنة علمياً أو عن طريق معلم خاص فإن الطفل يتعلم عدم الاعتماد على النفس بسبب تدخل الأهل وحل الواجب له، وهذا يحدث بدرجات متفاوتة (كلها تعني أنهم حلوا له الواجب في الواقع) فهم إما يحلونه مباشرة فعلاً وبالمعنى الضيق للعبارة أو أنهم يقدموا له أغلب الحل ليقوم هو بإكمال أجزاء بسيطة ومباشرة يتوقعها بشكل مباشر، بينما الممارسة السليمة في المساعدة هي أن يقوم الوالدان (أو المعلم الخاص) بشرح الدرس (وليس الواجب ذاته) للطالب وربما يعطونه مسائل مختلفة عن تلك التي في الواجب ليتمكن بعد ذلك ومن خلال التدريبات التي قدمت له أن يتوصل هو إلى حل مسألة الواجب بعد أن استوفى الفهم واستوعب مفاهيم ومهارات الدرس، كم من الآباء والأمهات في مجتمعنا يفعل ذلك؟ لاشك أنهم قليل وهم غالباً إما معلمون «متقنون» أو مهتمون بالشأن التعليمي وحريصون على «تعلم» أطفالهم لا على تعليمهم، وهؤلاء غالباً يحبذون الواجب المنزلي ويشجعون عليه، ومع تقديرنا لهم جميعاً ولكن لقلتهم جداً فليسوا هم المجتمع مع الأسف.
مجتمعنا في غالبيته لا يتعامل مع الواجب المنزلي بالطريقة الصحيحة، سواء جهلاً بها أو إعراضاً عنها مع معرفتها، وهذا الواقع حدا بالمعلمين ألا يضيعوا وقتهم سدى في «تصحيح الواجب» الذي يعلمون سلفاً أن الوالدين يحلونه أو أن الطلاب يتناقلوه بينهم، هذا إذا كان الواجب يتضمن شيئاً من التفكير وهو الجزء الأقل من الواجبات المقدمة في السعودية بينما الغالبية العظمى أسئلة سهلة يعرف «كل» طالب أن يجيب عنها أو يجد إجابتها «المباشرة» في الكتاب، وسبب ذلك أن المعلم ينوي أن يصحح الواجب شكلياً أي يضع علامة صح صح صح على كل صفحة دون القراءة، وهذا مشتهر ومعروف لا يحتاج أن أذكره هنا وإنما أذكّر به فقط، وعلة المعلم في ذلك أن المدير والمشرف التربوي سيتابعون دفاتر الطلاب (بغض النظر عن جودة الأسئلة)، وهذا النوع من الأسئلة (التي يجيب عنها كل الطلاب تقريباً قويهم وضعيفهم على حد سواء) يسمى في علم القياس والتقويم أسئلة تافهة أو غير ذات قيمة Trivial Questions وينظر لها هذا العلم أنها لابد أن تحذف من نموذج الاختبار إذا اكتشفت.
وبعد هذا الاستطراد في تصوير تاريخ وواقع الواجب المنزلي هل تعتقدون أن ما يحدث في مدارسنا بالنسبة للواجب المنزلي مفيد لطلابنا؟ أو هو تضييع لأوقاتهم وإشغال لأسرهم دون جدوى؟ كلنا نعلم القاعدة التالية «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب» فالتدريس مثلاً واجب لأن التعلم (وهو الواجب بالذي يجب أن تقوم به المدرسة) لا يتم إلا بالتدريس، ولكن الواجب المنزلي ليس شرطاً لكي يتم التعلم بل إنه (في هيئته الحالية) لا يحمل ضمانات التعلم ليرتقي إلى درجة «الواجب»، وعند التفكير في الأسرة البسيطة، وهي الأغلب، فإن الطالب يعاني من حل الواجب المنزلي ولا يساعده أحد فيفقد الثقة في نفسه خلاف واجبات وتمارين الصف حيث يلجأ للمعلم فيساعده، وفي الأسرة التي تساعد الطالب فتحل له الواجب تقريباً فإنه يتعلم عدم الأمانة منذ الصغر، لذا قد يتحول الواجب المنزلي إلى معول هدم نفسياً للطالب غير القادر وأخلاقياً للطالب القادر، هذا إذا كانت مسألة الواجب تفكيرية نوعاً ما أما النوع الشكلي المباشر كما شرحته آنفاً (وهو الأكثر) فهو مضيعة وقت وتعويد للطالب على سخف التكاليف المدرسية فينشأ هزيل الفكر غير قابل للتحدي المعرفي، ولا ننسى دفاتر الواجب المنزلي التي تثقل حقيبة الطالب دون قيمة تعليمية حقيقية، لذا أقول قولي هذا وأستغفر الله من كل واجب منزلي فاستغفروه وقووا قلوبكم وألغوا الواجب المنزلي حتى يتحسن الوضع وتعود الجدية إلى شرايين التعليم.