رمضان جريدي العنزي
الأنا الفردية والأنا الجماعية شر مطلق، وهما مرضان خطيران يفتكان بالمجتمع ويفتتان خلاياه من وظائفه الأساسية في التعاون والتعايش والتصالح والتعاضد وينحرفان به عن القانون الطبيعي للحياة السوية الراقية، وهما لا يمثلان تكاملاً ممتلأ بالحيوية، الأنا الأولى تعبر عن ذاتها، والأخرى تعبر عن مجموعة، وكلاهما قواقع تالفة، ومرايا مشروخة، وتميزية فوقية أنانية، وتصور رومانسي سارد في البعد الذاتي والجمعي، وينبثقان من سديم يشبه النعاس، إن الأنا والنحن المتضخمتان تعملان على تحقيق أهدافهما الضيقة، لهذا تسببان الشقاء للآخرين لأنهما ناتجان عن تعصب أعمى وضبابية معتمة، إن أخطر ما يصيب المجتمع هما هذان المرضان، كونهما بؤس وشقاء وانتكاسة، إن الانتفاخ على الآخر بشكل مطلق أو محدود فيه ريبة وغلق كامل للنوافذ، وسد للأبواب، إن الأنا أو النحن المتضخمتان لا ترسخان القيم، ولا تثبتان المبادىء، ولا تزيلان الفوارق، ولا تؤسسان لمجتمع حضاري منتج وفعال، بل يزرعان في الذات والذوات حب العجب والافتخار الناتجتان عن جاهلية مطلقة، إن القيمة الأساسية للإنسان هي في الاستقامة والعمل البناء والإنتاج والعطاء، وليس الفخر والعجب اللذان لا ينتجان فوائد للبشرية والحياة سوى تصديع الرؤوس في خرافات مقيتة وروايات باهتة ليس فيها من الحقائق سوى ما يمليه السارد ويرسمه وفق غرض وهوى نفس ليس إلا، إن الأنا والنحن لا تأتيان بخير أبداً، إنهما هوج وعوج، وسلوك هجين، ولا يأخذان المجتمع نحو ضفاف الرقي والتنمية والازدهار، بل تعبران عن نشوة نفسية خاسرة، يقول عمرو بن هند:
ملأنا البر حتى ضاق عنا
كذاك البحر نملؤه سفينا
إلى أن قال:
إذا بلغ الفطام لنا صبيا
تخر له الجبابر ساجدينا
فماذا استفاد هذا الشاعر غير إشعال فتيل القتل واستباحة الدماء الزكية وتأليب النفوس وشحنها بالبغض والحقد والتنافر، إن علينا لكي نرتقي إزالة هذه اللغة العنيفة من قاموسنا، وغسلها من أدمغتنا، وطمسها وحذفها من مناهجنا الدراسية بالكامل، وهدم هذا الجدار المخيف الذي يحجب الضوء ويجيء بالعتمة الموحشة الداكنة، وعلينا التسلح بالعلم والعمل بعيداً عن ترديد أناشيد الدم التي لم تنتج للأمة سوى النكوص والتأخر، وأن نبتعد مطلقاً عن الافتخارات الباهتة والهيطات الكاذبة والعنتريات الواهنة التي لا تصنع سوى الوهم الكبير والتخلف والنكوص المر.