د. أحمد محمد الألمعي
بينما تحاول دول غربية فرض المثلية الجنسية على المجتمعات المسلمة بدعوى حقوق الإنسان والتعددية الثقافية والمجتمعية، نجد أن بعض هذه الدول تحارب أي مظاهر إسلامية مثل الحجاب والملابس الساترة، بل تفرض قوانين تمنع هذه المظاهر وتحظر توظيف من يرتدي الزي الإسلامي بدعوى حماية مبادئ العلمانية، لدرجة أن كثيراً من المغتربين المسلمين يستبدل اسمه الإسلامي بآخر غربي وتمتنع النساء عن لبس الحجاب، لأن ذلك يعني تدني فرص التوظيف برغم حصولهن على جنسية الدول التي يقيمون فيها. وسمعنا مؤخراً عن أصوات تطالب بحقوق المثليين في دول الخليج ودول إسلامية أخرى، ورأينا سفارات بعض الدول ترفع أعلام المثليين (ألوان قوس قزح) في بعض الدول بينما أصدرت ولايات في الدول نفسها قوانين بحظر زواج المثليين، فهل هذا تناقض في الممارسات؟ وهل تعد الجنسية المثلية اختياراً شخصياً أم أن سببه جيني وراثي؟ وهل تتفاوت الأديان في نظرتها للمثلية الجنسية؟
لقد حرمت الأديان السماوية اليهودية والمسيحية والإسلام المثلية، ويؤمن معتنقو هذه الأديان بكون المثلية خطيئة. إن آراء الأديان إزاء المثلية الجنسية وتعاملها معها يتراوح ويتباين أحياناً حسب الأزمان والأماكن المختلفة ويختلف من دينٍ إلى آخر ومن طائفة لأخرى ضمن الديانة أو نظام الاعتقاد الواحد، كما تختلف أيضاً في تحديدها للأنواع المختلفة من المثلية الجنسية وكذلك ازدواجية التوجه الجنسي ولكن تحريم المثلية الجنسية يشكل الأغلبية العظمى من ممارسي هذه الأديان السماوية. وهناك أقلية من المسيحيين واليهود الليبراليين الذين يدعمون المثليين. كما أن هناك طوائف مسيحية لا تعد الزواج المثلي الأحادي أمراً سيئاً، وهذه الطوائف تتضمن: كنسية كندا المتحدة، كنيسة المسيح المتحدة، الكنيسة الأسقفية الأمريكية، الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في أمريكا والكنيسة الإنجيلية اللوثرية في كندا. وقد أنشأت كنيسة المجتمع المتروبوليتية، وهي طائفة ذات 40.000 عضو، لخدمة المثليين المسيحيين وفئة الإل جي بي تي كيو (LGPTQ) المسيحية. وهناك طوائف يهودية تتقبل المثلية الجنسية والمثليين وتعترف بالزواج المثلي الأحادي، مثل اليهودية الإصلاحية وحركة إعادة إعمار اليهودية واليهودية الليبرالية.
وفي الإسلام تعد ممارسة النشاط الجنسي من الجنس نفسخ محرم بإجماع المسلمين، لورود عدة آيات في القرآن حول المثلية: في سورة الشعراء{أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} والآية {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُم بل أنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}. وفي سورة الأعراف بالآية:{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ} والآية:{إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بل إنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} وهو يحرم لعلل أخرى حيث يرى بعض المسلمين أن المثلية «إضرار بالصحة والخلق والمثل الاجتماعية وانتكاس للفطرة ونشر للرذيلة وإفساد للرجولة وجناية على حق الأنوثة»، ويرون بها خراب الأسرة وتدميرها.
وكان علم النفس من أول التخصصات العلمية التي درست المثلية الجنسية كظاهرة منفصلة، حيث كان علم النفس القياسي الشائع في الفترة ما قبل وخلال معظم القرن العشرين ينظر للمثلية الجنسية بوصفها اضطراباً نفسياً. بدأ العلماء حينها باختبار صحة هذا التصنيف عبر إجراء أبحاث علمية التي لم تُظهر أدلة تجريبية قوية تجعل المثلية الجنسية تُصنف على أنها اضطراب نفسي. اتخذ عدد كبير من المختصين في المجال الطبي والصحة النفسية والعلوم السلوكية والاجتماعية موقفاً محايداً فيما يتعلق بمسألة تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب نفسي، وفي السنوات التالية ادعى العديد أن هذا الاستنتاج دقيق وأن تصنيف الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية يعكس الافتراضات التي جرى اختبارها والمستندة على ما كان يُعد معياراً اجتماعياً وعلى انطباعات سريرية من عينات كانت توصف بالـ»رسمية» التي تألفت من مرضى طلبوا العلاج ومن أفراد جيء بهم بسبب سلوكهم المثلي لنظام العدالة الجنائي.
في سبعينيات القرن العشرين كان هناك إجماع بين العاملين في مجال العلوم السلوكية والاجتماعية والمهن الصحية والنفسية في الغرب بأن المثلية الجنسية هي شكل صحي من أشكال التوجه الجنسي عند البشر على الرغم من أن بعض العاملين في هذه المجالات مازالوا يرون في المثلية الجنسية اضطراباً نفسياً.
في عام 1973 ألغت الجمعية الأمريكية للأطباء النفسيين تصنيف المثلية الجنسية كاضطراب نفسي. وتبعهم في ذلك مجلس ممثلي جمعية علم النفس الأمريكية عام 1975 وكان لتأثير مجموعات مؤيدة للمثليين داخل الحقل النفسي دور كبير في هذا القرار. وبعد ذلك أزالت مؤسسات الصحة النفسية الكبرى حول العالم تصنيف المثلية كاضطراب نفسي بمن فيها منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة عام 1990.
بين الحين والآخر تطفو على السطح «مُنجزات» علمية باكتشاف جين الشذوذ الجنسي التي تزعم أن المثلية الجنسية هي أمر طبيعي و»فطري» لدى البشر. تمثل مثل هذه الأبحاث أو الأخبار الإعلامية أحد المرتكزات الرئيسة التي يقوم عليها الخطاب الإلحادي الذي يروّج بأن المثلية الجنسية ليست مرضًا عضويًا أو خللًا نفسيًا، وإنما هي خيار مشروع للغاية لأنها طبيعة موروثة في الحمض النووي البشري يولد بها الإنسان ولا يمكن التخلص منها فضلاً عن عقابه بسببها كما تدعو إلى ذلك الأديان السماوية. في هذا الإطار، وعلى سبيل المثال، يرى الملحد ريتشارد داوكنز أن «التطوّر يفسّر المثلية الجنسية بشكل كامل عبر عدّة نظريات»، أمّا شريف جابر فيرى أن المثلية الجنسية سلوك طبيعي لا ينبغي الخوف أو التخلّص منه وإنما يجب دعمه والتصالح معه.
والمدقق لهذه الأبحاث يجد أنها تواجه مشكلة كبيرة في مصداقيّتها، وهو ما يؤكده الباحثان الإخوان نيل وايتهيد وبريار وايتهيد في كتابهما (جيناتي جعلتني أفعلها) اللذان يقولان في مقدّمته: «إن الغرب كان هدفاً لحملة من التضليل والخداع في السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة، جعلت مؤسساته العامة من المشرّعين إلى القضاة ومن الكنائس إلى التخصّصات الذهنية الصحيّة يؤمنون بشكل واسع أن المثلية الجنسية موروثة عضويًا وبالتالي لا يمكن تغييرها». وهو الرأي الذي يتفق فيه المحلّل الإعلامي مارك دايس معهما قائلًا بأن «الإعلام الليبرالي أجرى عملية غسيل مخ من خلال بروباغاندا المثليين الجنسيين حتى يقنع الشخص العادي بارتفاع نسب الشذوذ الجنسي». وكثيرًا ما تتصدّر الصحف والمواقع الإلكترونية بعض العناوين من نوعية: اكتشاف (جين الشذوذ) أو (دراسة تثبت الأصل الجيني للتوجه الجنسي). لكن يبدو أن أغلب هذه العناوين مشكوكٌ في مصداقيتها ومدى صحّتها. فعلى سبيل المثال وفي أحد التقارير، قام عالِم الوراثة الأمريكي الشهير والمؤيد للمثلية الجنسية «دين هامر» بإجراء بحث يزعم فيه الربط بين علم الجينات والمثلية الجنسية. تلقَّت الصحف الأمريكية الخبر بسرعة كبيرة تحت عنوان صريح: (باحث يكتشف جين الشذوذ الجنسي) وبالرغم من جاذبية هذا العنوان ودلالته الصريحة بالنسبة للقارئ العادي، إلا أن دين هامر نفسه نفى هذا الأمر، وصرّح قائلًا بعد انتشار الخبر: «لم نكتشف الجين المسؤول عن التوجّه الجنسي، بل نعتقد أنه ليس موجودًا أصلًا». فهامر نفسه - وهو المدافع بشدّة عن (جينية) الشذوذ الجنسي يعتقد بأن أي محاولة لإثبات وجود جين واحد يحكم المثلية الجنسية هي محاولة عبثية. ولكن من الأهمية توضيح أن هناك نسبة نادرة من الأشخاص يولدون باضطرابات جينية وهورمونية تسبب خلل في تطور الأعضاء الجنسية وصعوبة في تحديد الجنس ويتطلب دلك فحوصات جينية وفحص هورمونات وقد يحتاجون الى عمليات جراحية وعلاج بالهورمونات من الأطباء المختصين بناء على سبب طبي وليس بناء على رغبة شخصية.
وبالرغم من الانتشار الظاهري للمثلية الجنسية في الغرب، نجد أن هذه الممارسات في العلن غير مقبولة بل يجد المثليون الجنسيون صعوبة كبيرة في تقبل أفراد المجتمع لممارساتهم في العلن برغم سن القوانين التي تحميهم كشريحة من شرائح هذه المجتمعات، وفي كثير من الأحيان يكونون هدفاً للعنف والنقد العلني أو المبطن من قبل المجتمعات المتدينة التي تعد سلوكياتهم الأخلاقية وتتهمهم بنشر الأمراض الجنسية والرذيلة.