د.فوزية أبو خالد
أولاً، أدين للقراء بالاعتذار عن عدم نشر هذا المقال كحلقة ثالثة في سلسلة مقالات الكتابة عن الكتابة الأسبوع الماضي كما كان يفترض لأسباب اضطرارية وأرجو السموحة.
ثانياً، لقد نوهتُ في الحلقة الأولى من المقال بأن الحلقة الثالثة من مقال الكتابة عن الكتابة هي خلاصة لمجهود واجتهاد تفضل به بعض الزميلات و الزملاء من المختصين بقضايا الرأي العام والمهتمين به كمداخلات على الحلقتين الأولى والثانية، اللتين قاموا بقراءتهما معاً في وحدة موضوعية واحدة. وهنا أشير إلى أنه على تراوح تلك المداخلات في اتفاقها أو اختلافها مع المقال وفي تنوعها وإضافاتها على ما جاء فيه، فقد استطاعت الزميلة الأستاذة فايزة العجروش في إطار مبادرة د.عبدالله الحمود عبر منتدى آصرة الثقافي، استخلاص عدد من التوصيات المعنية بتقديم تصور علاجي لعدد من الإشكاليات التي أثارها مقال الكتابة عن الكتابة. ونظراً لحيوية هذه التوصيات التي قد تهم المجتمع ككل والمجتمع الثقافي تحديداً وصناع القرار والسياسات فيه فقد قررتُ أن أنقلها هنا كحلقة ثالثة وأخيرة لمقال الكتابة عن الكتابة، بوصف الكتابة عملاً إشكالياً يتطلب الاستمرار في التصدي لمواجهاته الصغيرة والكبيرة، خاصة في اللحظة التاريخية التي تكون مشحونة بالتحولات والأسئلة.
خلصت معظم المداخلات الخاصة بموضوع الكتابة عن الكتابة إلى ضرورة دعم كُتّاب الرأي؛ لتمكينهم من أداء أمانة الكلمة ولمسؤوليتهم الأدبية في التعبير عن الهموم والقضايا الوطنية الجادة، ولأهمية استمرارهم في نشر أفكار توعوية ورؤى مستقبلية، وطرح معالجات واقعية للتحديات المزمنة والمستجدة، من خلال المقترحات والتوصيات التالية:
1 - أهمية استمرار كُتاب الرأي وإن تغيرت الوسائل في لعب دورهم المؤثر والإيجابي في تشكيل الوعي المجتمعي العام، وخاصة في أحداث الوطن وقضاياه المختلفة من خلال طرح تحليلات واضحة، وتقديم قراءات مستقبلية، ووضع خارطة طريق للقضايا الوطنية.
2 - على كُتّاب الرأي والفكر مراعاة التغير في مزاج القارئ الرقمي الذي ينصرف عن قراءة المقالات المطولة، ويبحث عن القصيرة منها ذات المحتوى المباشر، مع ضرورة التكيف مع هذه المرحلة للاستمرار في تأدية رسالتهم، بدلًا من الانسحاب من الساحة أو الاستمرار في الكتابة بوسائل تقليدية وبشكل تقليدي دون جمهور يُذكر.
3 - ضرورة دعم دورهم المؤثر في قيادة حركة التغيير المجتمعية الإيجابية المنشودة، من خلال بلورة رأي عام للقضايا الهامة بمساندة وسائل التواصل التفاعلية جدًا خلال مدى زمني قصير.
4 - على كُتّاب الرأي التوجه بقوة للكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لكونها منصة إعلامية سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية سريعة التفاعل تساند مطالب المواطن واحتياجاته، وتدعم توجهاته الإيجابية، وتمنح الكُتّاب مساحة أكثر للكتابة وإبداء الرأي بشكل أسرع وأكثر تأثيرًا.
5 - أهمية التعرف على الأسباب التي أدت إلى عزوف أو توقف نهائي لبعض كتاب الرأي عن الكتابة المنتظمة في الصحف المحلية، خصوصًا ممن مضى عليهم سنوات طويلة في الكتابة.
6 - استثمار وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لجعلها منبرًا قويًا ينطلق منه الكتّاب إلى جميع شرائح المجتمع، لاستنهاض الرأي العام بكل أطيافه لتشكيل قوة ناعمة للوطن في حربها الإعلامية ضد أعدائه.
7 - ضرورة تواجد كُتّاب الرأي بقوة في طرح مقالاتهم وتحليلاتهم عن القضايا الإقليمية والعالمية بما يتماشى مع حساسية المرحلة لتنوير أفراد المجتمع بالأحداث المتسارعة في منطقتنا.
8 - الارتقاء بمخرجات الإعلام السعودي بما يتواكب مع تطلعات الوطن ورؤية القيادة الحكيمة، وتكثيف دورهم الفاعل لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.
9 - أهمية استمرار إيمان الكاتب بتأثيره الفعلي في المجتمع دون إحباط أو انزواء، خاصة أن كتابته للرأي نابعة من إيمان حقيقي بالقضايا التي يعاني منها المجتمع ورغبته الصادقة في إيجاد أفضل الحلول الممكنة.
10- على كُتّاب الرأي الاستفادة القصوى من التقدُّم العلمي والتقني الذي يشهده العالم في كل لحظة، من خلال تفعيل دوره في وسائل التواصل الاجتماعي بطرق احترافية حتى تعم الفائدة، وتصل مرئياتهم ومقترحاتهم لكل مسؤول.
11 - ضرورة إعادة بناء ثقة وطنية بين كتاب الرأي والدولة بما يعطيهم دوراً وفعالية ومسؤولية للمساهمة في التعبير عن المجتمع وقضاياه وأسئلته بأمانة وحرية وشعور بالأمان.
12 - ضرورة تعزيز الموجود وإعطاء الفرص الأهلية لقيام بيوتات فكر وخبرة سعودية لوضع السياسات والإستراتيجيات من موقع العارف الحقيقي بالمجتمع والواقع بدل الاعتماد على بيوتات الرأي والخبرة الأجنبية.
13 - لا بد من تعزيز الروح الرياضية الرسمية بما يفسح المجال لتقبل النقد في مختلف أوجه الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بالمملكة، طالما الرأي وطني مخلص وموضوعي.
14 - ضرورة وجود مساحة لتقبل الجدل الفكري وجدل واختلاف الآراء ما بين مختلف تيارات الرأي في قضايا المجتمع حتى لا يستبدل الإقصاء السابق بإقصاء جديد في الاتجاه المعاكس.
وأخيراً، هذا المقال ليس إلا تنهيدة في مهب التحولات في محاولة للفهم والمشاركة ولو بريشة شفيفة في مواجهة المهب مواجهة تفاعلية مسؤولة بقدر المستطاع.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.