سليمان بن عثمان الفالح
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعد، وبعد:
في يوم الاثنين 16 من ذي الحجة 1442هـ فجع كثير من الناس بوفاة الشيخ ثنيان أبو فهد رحمه الله وكان لوفاته صدى كبير ورجع أكبر ولا شك أن الموت حق إلا أن الرجال الذين لهم مكانة في المجتمع ودور فيه يصبح موتهم له تأثير بالغ وكبير في نفوس الناس لما يتركه هذا الرجل من فراغ وإن كان الخير ما زال ولن يزال في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالناس يتفاوتون في مواهبهم وفي أعمالهم في مجال الخير وفيما ينفع الوطن والمواطنين وقد ورد في الحديث (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس). كان أبو فهد يعمل بكامل قواه وإمكاناته في خدمة المجتمع وكان يخالط الناس ويصبر على أذاهم كما ورد في الحديث (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) وكان رحمه الله يشارك ويتبنى كل ما فيه خير ومصلحة للمواطنين فهو من الأوائل الذين أسسوا شركة الكهرباء التي أصبحت من ضروريات الحياة كما شارك في إنشاء شركة الجبس الأهلية وممن تبنى مؤسسة الجزيرة للصحافة كان تفكيره منصباً على خدمة الوطن وما يرفع من شأنه وكان دائماً رافعاً الرأس لا يطأطؤه إلا لله وما فيه مصلحة للوطن لأنه من المخلصين والمحبين لوطنهم أحاديثه في مجالس العامرة ومجالس غيره كلها تنصب لما فيه مصلحة عامة للجميع.
كان مجلسه عامراً بالضيوف والزوار أحضره ويحضره غيري من مختلف أصناف الناس كباراً وصغاراً أغبطه على ذلك، بل إن كثيراً من الناس يحسدونه على كثرة من يدخل منزله العامر والمفتوح دائماً ومزرعته في العمارية طوال النهار وزلفاً من الليل شاهدت ذلك بنفسي وشاهده غيري كان يهلل ويرحب بكل من دخل عليه منزله وكان ابنه الشيخ فهد يستقبل الداخلين ويودع المغادرين بكل بشاشة وأريحية كما قال الشاعر:
أضاحك ضيفي قبل إنزال رحله
ويُخصب عندي والمكان جديبُ
ومحله وبيته ليس جديباً بل هو مملوء بالنعم والخيرات لقد أنعم الله على (أبو فهد) وعرف قدرها وقد استعملها في الواجبات والمستحبات يشهد بذلك القاصي والداني يزوره في بيته الأمراء والمشايخ وأعيان البلد من مختلف المستويات لقد حضرت مناسبات كثيرة وفي أيام عديدة غداء وعشاء يستقبلنا بنفس رضية يهلل ويرحب.
والضيافة معروفة منذ القدم من أخلاق العرب لا سيما الكرام منهم وورود الكثير من أشعارهم في مدح البذل والعطاء والكرم وذكر حاتم الطائي وأمثاله لا ينقطع حيث إنها ترد كثيراً في أشعار العرب ويضرب المثل به رغم قلة ما في يده لكنه جاد بكل ما لديه فحاز على الذكر الطيب والتمجيد منذ مئات السنين.
الشيخ ثنيان له جوانب كثيرة يصعب ذكرها والكرم مروءة وجميع أعمال الخير داخل فيها، لم أره قط إلا وهو مبتسم بخلاف بعض الناس مهما كان غنياً تجده مكفهر الوجه عاقد الجبين وكأن الدنيا فوق رأسه لا يعلم أنه سيأتي يوم يتركها راضياً أو كارهاً. الشيخ أبو فهد كما ذكرت يحب الناس ويحبونه لقد حضرت مجلسه مراراً وتكراراً وهو مكتظ بالضيوف ويفرح بهم ويفرحون به كما قال زهير بن أبي سلمى:
تَرَاهُ إذَا مَا جِئْتَهُ متَهَلِّلًا
كَأَنّكَ تُعطِيهِ الَّذي أَنتَ سَائِلُهْ
لقد شاهدت موقفاً ما زال عالقاً في مخيلتي حيث كنا في الديوان الملكي للسلام على خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله وأطال في عمره حيث كنت جالساً في وسط المجلس العامر وكان الشيخ ثنيان وابنه فهد في الصف الآخر والملك سلمه الله يمشي ويسلم على الحاضرين بيده فرأى الشيخ ثنيان فمال إليه وقال نبي نسلم على أبو فهد وقد أقبل عليه هو وابنه فهد متجهين إليه أطال الله عمره فهذا الموقف العظيم من هذا الرجل العظيم أذهلني ولولا أن للشيخ ثنيان مكانه ومنزله عند الملك حفظه الله لما منحه هذه المنزلة العالية التي لفتت نظر الحاضرين والكل يدعون له بطول العمر. رحم الله الشيخ ثنيان ووفق ابنه فهد وأعانه على تحمل المسؤولية حيث إنه تربى في حضن والده وتعلم منه الشيء الكثير فقد ذهب ثنيان وبقي فهد غفرالله لوالده وأعانه والله المستعان.