عبده الأسمري
تأتي بعض السلوكيات وكأنها «ألغاز» تحتاج إلى فك رموزها.. فتتأمل تفاصيلها فترى أن ما يحدث كأنه «تحدي» أمام العقل أو «تصدي» لواقع المنطق أو «تعدي» على ذائقة الإنسان.. وحينما تحلل شخصيات «المتورطين» فيها ستشعر أنك أمام «سفيه» خرج عن سواء السبيل إلى أهواء التضليل وانحرف عن مسار «الحسنى» إلى هاوية «السوء» وقد تجد نماذج اجتماعية متعددة إن تفحصت تاريخها وأبعادها لوجدت أنك أمام أنفس مريضة موبوءة إما بحب «الشهرة» المؤدلجة التي أهدتها منصات واهية لفارغين أو شخصيات مبتلاة بفرض «السيطرة» أو تأجيج الفتن أو تأويل الآراء أو تسيد الأنا..
هنالك فساد خفي في أعماق المجتمع يحتاج إلى بحث وتحليل واجتثاث فهنالك «كتائب» سرية لترويج «العته» الذي يحول بعض النماذج الاجتماعية إلى نقاط خاسرة ترفع مستوى «هزائم» السمعة وتثبط «عزائم» الدافعية مما يوسع من «هوة» الأمنيات بين التخلف والتقدم ويزيد «فجوة» الآمال بين الرجعية والحضارة !! فليس الفساد ما ارتبط بالمال وترابط مع استغلال النفوذ أو سوء استخدام السلطة فحسب ولكن هنالك «أنواع» أخرى تقتحم مساحات «الهدوء» الحياتي لصناعة الغوغاء الشخصية أو الضوضاء البشرية التي تشوه وجه الحياة المفترض المشع بالعقل والساطع بالنبل.
في جنبات الحياة ما يثير «السخرية» ويدعو «للغرابة» ويستدعي «التعجب» ويوجب «الاندهاش» من تركيبة معكوسة وتوليفة مخالفة تقتضي تسليم المهام لغير أصحابها في أبجديات «الحرف» ومسلمات «المهن» مما يجعل الرجل غير المناسب في المكان المناسب وإحلال الشخص الفاشل مكان الناجح وتهميش الأنموذج المبدع فكرياً واستبداله بالمفلس مهنياً لنرى أن هنالك «عشوائية» بائسة شوهت «التنظيم» الإبداعي لسمة الكفاءة وصادرت «النظام» الحتمي لصفة الإجادة.
باتت «المسميات» الخاصة بالأدباء والمفكرين والمبدعين والمؤثرين توزع مجاناً وبلا أسس ودون ضوابط وبات إطلاقها مشفوعاً بثناء «مخجل» أفرزته مجاملات «المصالح» ومديح «مضحك» كرسته ثناءات «المطالب» فرأينا الأسماء توزع «جزافاً» وبات الكل إعلامياً والجميع مثقفاً وأصبحت «الشركات» و«المؤتمرات» و«الندوات» التجارية تلاحق الباحثين عن «الصفات» المعرفية واللاهثين خلف «الشهادات» الاحترافية مقابل «ثمن» بخس دراهم معدودات !! لنرى مصادرة حقيقية لحق «التنافس» ونكراناً واقعياً لأحقية «التخصص» وتنكراً شاملاً لحقائق «الخبرة» لنتفاجأ أننا في ميدان «مفتوح» متاح للكل بلا حدود ودون إطارات أو شروط توزع فيه «الألقاب» بجاهزية تامة في ظل «اعتمادات» الباطل وتحت وطأة «إهداءات» الزيف.
تكثر لدينا «الظواهر» الاجتماعية فتأتي اللجان لتعقد اجتماعاتها المرتبطة بالنازلة أو المشكلة وتعلن التوصيات بناءً على حلول مؤقتة وكأنها أعدت من أجل التبرير ومن منطلق التبرئة ثم لا تلبث أن تحشد لها حملات إعلامية وخطط إستراتيجية وأهداف مستقبلية في حين لا يعدو ذلك سوى «دوي» كي يصل مداه في كل الاتجاهات ليأتي بعدها خذلان «حتمي» يتسبب في نشوء ظاهرة جديدة متفرعة من أصل سابقتها لتبقى الدوائر «فارغة» والحلقات «مفرغة» حتى نعترف أن هنالك «جمراً» متقداً لا يرى ولا يلتفت له يغطيه رماد يظنه «العابرون» أو «المعتبرون» نهاية ضرورية لكل المشكلات بمجرد الحديث عنها والتحدث بشأن حلولها ولو أردنا أن نبحر في ذلك سنكتشف أن «الاجتماعات» لدينا «حيلة» للخروج من «أزمة» المساءلة وأن «التوصيات» لدينا محطة إجبارية للإجابة على تحقيقات «الرقابة»!!.
يكتظ «المحيط» البشري اليومي بأحداث وحالات وأحاديث عن بشائر الولادة ومصائر الرحيل في هيئة مفارقات وفروقات وهبات وصدمات ليبقى الإنسان «العامل» المشترك الأول في جولات الحياة بين الانتصار والانكسار و«المخلوق» المشمول الدائم في تراتيب «الأقدار» وفي معاني «الاقتدار» لتأتي «العبر» كهدايا لتتويج الصابرين و«الاعتبار» كعطايا لتكريم «الفالحين».
يبقى «العقل» السلاح الأقوى لمواجهة أي تغير والدرع الواقي لمجابهة أي متغير لتتشكل من خلاله «سلوكيات» النفع للذات وللآخرين وتكتمل مع حضوره «قرارات» الانتفاع للنفس وللغير في «توأمة» إنسانية و«مهمة» فكرية تجنب المجتمع دفع «أثمان» باهظة لأقوال وأفعال كانت تلغي «التفكير» وتهمش «التدبير» لتتشبث بالأهواء الشخصية والأغراض الذاتية.