يُعد كتاب «الجزيرة العربية في أدب الرحلات الأردي» للدكتور/ سمير عبدالحميد نوح، والذي يقع في 663 صفحة، من الكتب المهمة في هذا الجانب، لأنه دراسة شاملة عن رحلات الهنود إلى أصقاع المعمورة، وما يهمني في هذا التعريف بهذا الكتاب ما يخص «رحلات الحج» حيث يشرح فيها البدايات والأساليب المستخدمة في كتابة تلك الرحلات والتي تتراوح بين الأساليب البسيطة، وبين من ينطبق عليه أدب الرحلة، بالإضافة إلى انتقال الكتابة من اللغة الفارسية - باعتبارها كانت اللغة الرسمية والعلمية للهند في فترات سابقة - إلى اللغة الأردية.
وتعتبر رحلات الحج الهندية كأي رحلة من بلاد بعيدة عن الحرمين الشريفين، بما يعتورها من صعوبة ومشاق الطريق، وتعرّض الحاج للّصوص وقطّاع الطُرق، وبعض الأحداث التي يمرّ بها الحجاج حال توجههم إلى بيت الله العتيق.
فقد أشار المؤلف د. سمير نوح، إلى بعض أوائل رحلات الحج الهندية إلى البقاع المقدّسة، حيث كانت رحلة الشيخ/ عبدالحق محدث دهلوي للحج عام (997هـ) والمعنونة بـ«جذب القلوب إلى ديار المحبوب» من أوائلها، لتأتي بعدها رحلة خواجه معصوم عام (1067هـ) والتي حملت اسم «يواقيت الحرمين»، ورحلة شاه وليّ الله الدهلوي عام (1140هـ) ذات الاسم «فيوض الحرمين» ثم تلتها الكثير من الرحلات التي وصفت الشيء الكثير من طرق الحج، وآدابه ومناسكه والظروف المصاحبة للرحلة، إلى ذكر المسائل الاجتماعية والعلمية والاقتصادية في الحرمين الشريفين، ففي رحلة الحاج/ مولوي رفيع الدين المراد آبادي عام (1201هـ) والمسماة (آداب الحرمين) والتي استغرقت ثلاث سنوات منذ خروجهم من الهند وحتى عودتهم عام 1204هـ، فقد تضمنت وصفاً للحج وذكر بعض الأماكن وأسماء الأعلام، يقول د. سمير: (وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرحلة مملوءة لحد الإفراط في ذكر أكابر وأعلام المدينتين المقدّستين مكة المكرمة والمدينة المنوّرة، ولهذا تحمل أهمية خاصة لمن أراد التعرّف على علماء مكة والمدينة في ذلك الوقت).
أما رحلة سيد أحمد بريلوي عام (1236هـ) والتي حملت اسم (تاريخ عجيب) كانت هذه الرحلة تمر بظروف مختلفة (في وقت أصدر فيه بعض علماء الهند فتوىً تبطل فريضة الحج بدعوى خطورة السفر، وقد سافر بمعيّة الشيخ سبعمائة حاج في أواخر شهر شوّال 1236هـ، فوصلت السفينة إلى جدة في شعبان عام 1237هـ، وتم التوجه من جدة إلى مكة، وقد قوبل الشيخ بحفاوة كبيرة) وقد تطرقت الرحلة إلى النفقات اليومية في مكة، ونظراً لقلّة ذات اليد، ذكر أنهم كانوا يطبخون العدس بدلاً من اللحم، ووصف حال الصلاة في الحرم، وأن كل جماعة تقيم الصلاة لوحدها مما جعله وجماعته ينشغلون بقراءة القرآن الكريم حتى انتهاء الجماعات الأخرى من الصلاة، فتبدأ جماعته في الصلاة، وقد التقى الشيخ بريلوي بكبار العلماء والشيوخ من جنسيات متعددة، منهم: خواجه ألماس الهندي، وحسن أفندي نائب سلطان مصر، وسيد محمد وزير سلطان المغرب، وأحد كبار مسلمي البلغار، ومفتيا الشافعية والحنفية... وغيرهم من الأعيان الذين أتى على ذكرهم في رحلته.
أما رحلة شبلي النعماني إلى الحج عام 1293هـ والتي كان عمره حينما حجَّ تسعة عشر عاماً، فقد عبّر عن حبّه الشديد للعرب والعربية، وذكر أهل الجزيرة العربية وما يتّصفون به من كرم وبساطة، معلناً عن فرحته؛ لأن فطرتهم لم تلوّثها المدنية الحديثة، ويشيد بحسن أخلاقهم، وقد استفاد من رحلته للحج الكثير، منها: تجواله بين المكتبات في المدينة المنوّرة، وذكر أنه شاهد مصادر ومراجع عن علم الحديث لا يعتقد أنه رآها في أيّ مكانٍ آخر.
أما الحاج/ سيد كاظم حسين الذي سمّى رحلته بـ»حرمين شريفين» والتي كانت عام 1308هـ، فقد (تناول فيها ذكر الحياة الاجتماعية والثقافية والحضارية لمنطقة الحجاز آنذاك) ومما ذكره في رحلته عن وصف الحياة الاجتماعية: (في جيوب أهل المدينة ساعات استنبولية، والغروب هنا يكون تمام الساعة الثانية عشرة، ولا تطلق المدافع هنا كما يحدث في بلاد الهند، والنساء هنا يخرجنَ من بيوتهنّ، يلتزمن بالحجاب من الرأس إلى القدمين، وأهل مكّة طيّبون، على خُلُقٍ، ويمتازون بالحلم والصدق والإخلاص).
ولا تنتهي الأحداث التي جاءت على ذكرها الرحلات الهندية للحج، لكن ختام حديثنا سيكون عن رحلة الحاج/ مرزا عرفان بيك، وذلك عام (1304هـ) والمسمّاة بـ»سفرنامه حجاز»، فمما جاء فيها وصفة حالة هطول المطر أثناء جلوسهم في الحرم المكّي، يقول: (كنا نجلس في المسجد الحرام، نتبادل الحديث في بعض الأمور، وإذا بالسماء يتغيّر لونها، فتبرق وترعد، وتظهر آثار هطول الأمطار... وبدأنا نشم رائحة قدوم المطر. وفجأة تحوّلت القطرات إلى سيلٍ منهمرٍ... وجرى الناس ناحية «ميزاب الرحمة» وبدأوا في التجمّع تحته).
يشار في هذا الصدد أن بعض كتّاب الرحلات لم يكتفوا بالحج فقط؛ بل كان بعضهم في ذهابه للحج أو حال عودته يمرّ ببعض البلدان، كالشام والعراق وإيران ومصر وغيرها من البلدان التي كان الغرض منها الاستكشاف أو أغراض أخرى.
** **
- بقلم: عبدالله بن علي الرستم