من إقليم اليمامة شرقي جبل طويق الأشم بدايات القرن الرابع عشر وعلى وجه التقريب في سنة 1308هـ ولد الأمير راشد بن غنيم في بلد الدلم في فترة مهمة من تاريخ المملكة العربية السعودية وتاريخ الدلم التي كانت مقراً لتأسيس الدولة السعودية الثانية والإمام فيصل بن تركي ومن بعده أبنائه، ودارت أحداث تأسيسها وسقوطها أيضاً في الدلم، ثم بدأت مسيرة الملك عبدالعزيز لاستعادتها بعد فتح الرياض وفيها وقعت أول مواجهة له مع خصمه في معركة الدلم الشهيرة 1320هـ، فكان لهذه الإرهاصات السابقة واللاحقة أثرها على حياة أهل الدلم ورجالها، ومنهم الأمير راشد بن غنيم الذي ولد في هذه الظروف المشحونة بالكفاح والعمل والجهاد، فشب عوده وتفتحت عيناه على هذه الأمجاد العظيمة التي سطرها أجداده بكفاحهم مع المؤسس -رحمه الله، ولا غرابة فالدلم باعتبارها قاعدة الخرج ومركز إمارتها الإداري وفيها القضاء والإمارة فهي بلد نذر نفسه وزحف جنده في خدمة هذا الوطن الغالي، وشخصيتنا اليوم شخصية نالت ثقة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ومحبته، فالأمير راشد بن غنيم بن عبدالله بن غنيم الرمازين الحقباني الدوسري نشأ في بيت جاهة وشرف، وتفيد الوثائق الخطية والمخاطبات التي اطلعت عليها عن الدور الكبير الذي قام به الأمير راشد بن عبدالله بن غنيم في مسيرته الطويلة التي طالما حفتها المعتركات السياسية، والمنعطفات القضائية، والمشاكل الاجتماعية الأسرية منها والقبائلية، وهذا ديدن من يوليهم الملك إمارة البلدان، والناظر في هذه الوثائق يدرك حجم الأعمال التي كلف بها الأمير راشد بن غنيم -رحمه الله- فمن ضمن ذلك:
* تقلده إمارات عدة في جنوب المملكة العربية السعودية.
* عمل في فترات مختلفة أميراً لجيزان فترة غياب الأمير إذا كان يكلف بأعمال الإمارة ثم وكيلاً لإمارة جازان.
* ساهم في قيادة الطلائع الأولى لإخماد فتنة الريث الأولى.
* مشاركته في حرب اليمن عام 1352هـ.
* رئيس الفريق السعودي للجنة وضع علامات الحدود بين المملكة العربية السعودية والمملكة المتوكلية اليمنية.
* رئيس عاملة الجنوب من قبل وزير الداخلية.
* أمير عاملة تثليث.
* مساهمته في حرب فلسطين.
* بناء الأمير راشد بن غنيم لقصر الإمارة في صبيا بعد خرابه.
* .... إلخ.
لم يشعر راشد بن غنيم بنفسه في خضم هذا الشؤون إلا وأن جزءاً كبيراً من عمره انقضى متنقلاً من مركز إلى مركز ومن إمارة إلى إمارة، والخطابات المتبادلة بينه وبين القيادات في الدولة كثيرة جداً فوجب علينا الاقتضاب لضيق المساحة، وبين ثنايا المراسلات نستشف السيرة الندية للأمير راشد بن غنيم خلال رحلته العصامية تلك، وأن تعامله مع عدد كبير من أمراء المناطق أمثال الأمير تركي السديري، وأخيه الأمير خالد السديري، والأمير عبدالله بن عسكر، وابن عقيّل محمد بن عبدالله - أمير البيارق وأمير جازان في وقته، والأمير عبدالعزيز بن ماضي وغيرهم وكذلك المسؤول الأول عن المالية في عسير الشيخ عبد الوهاب أبو ملحة -رحمهم الله -، تعامل الأمير راشد مع هؤلاء جميعهم خلال تلك الفترة الحساسة ينم عن دراية وحكمة الأمير راشد بن غنيم، ويجدر أن نعرج ولو على بعض المقتطفات الوثائقية والرسائل المتبادلة بين أولئك القادة الآنف ذكرهم والأمير راشد بن غنيم، وهي كالتالي:
1- من الأمير خالد السديري: المكرم أمير بني مالك/ راشد بن غنيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فقد وصلنا كتابك بخصوص ما ذكرت لا بأس ولكن استحسن بقاؤك لأن الوجه عليك ولابد من الاتفاق بك 12-1-1361هـ.
2- يخاطب الأمير تركي السديري الأمير راشد بن غنيم بعد تعيينه في محايل وبارق قائلاً: «وبالله ثم بكم كفاية».
3- وعبارتي عبدالوهاب أبو ملحة وزير المالية حينما قال لراشد بن غنيم: «أنتم بمقام النفس»، والأخرى قوله: «ما تقصر والأمل مستنظر ونرجو لكم التوفيق ودمتم». وما أورده أمير البيارق عبدالله بن عقيّل لراشد بن غنيم قوله: وسلم على خاصة نفسك ولا بعدك حسوفة. وبالنسبة لفتنة الريث فيقول الأمير خالد السديري من عرض رسالة موجهة إلى الأمير راشد بن غنيم: فقد وصلنا كتابكم المؤرخ، وفهمنا ما ذكرتموه. أحسنتم الإفادة... وتباشرون عرض الأمان على أهل الريث فمن استسلم على حكم الشرع فتجعلونه طرفكم في محل أمين... إلخ. ومما يجدر ذكره أن الملك أرسل إلى الأمير خالد السديري برقية ثناء وإعجاب لما آلت إليه الحملة.
وهناك رسالة أخرى جميلة تحمل بين طياتها الود والتقدير بين عبدالوهاب بن محمد أبو ملحة والأمير راشد بن غنيم، ومطلع الرسالة بعد بسم الله الرحمن الرحيم، من عبدالوهاب بن محمد أبوملحة إلى جناب المكرم الأفخم الأمير راشد بن غنيم حفظه الله... ومن عرض الرسالة يقول أبوملحة لابن غنيم: أما أخبارنا فإن شاء الله تجي على ما يرام العقم الأول قد انتهت مسألته مع هيئة اليمن السياني ورفقاه وقد رفعنا بشأنه لجلالة مولاي الملك المعظم -أيده الله- واليوم هذا وصل أمير لواء الحديدة عبدالله بن الوزير إلى حرض ... 23-7-1356هـ.
وليس هذا فحسب بل إن التقارير الاستخباراتية الواردة لأمير سامطة الأمير راشد بن غنيم والتي يمررها بشكل يومي لولاة الأمر تظهر أهمية الدور الذي كان يقوم به، وأهمية تلك المنطقة الحدودية ومن يكلف بإمارتها من قبل المك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- وكان بودنا أيضاً التطرق لجوانب أخرى من ملامحه الشخصية منها كرمه وتعاونه مع أقاربه بشكل يعتبر أنموذجاً وقد وقفت على بعض ما دون في هذا الشأن، وفي نهاية هذا المقال أقول: شخصية الأمير راشد بن غنيم لا تكفيها مقالة ولكن هي بداية للتذكير بعدم تمرير شخصية كهذه الشخصية مرور الكرام على الذاكرة.
** **
- بقلم: فهد بن سعد الدهمش