د. عيد بن مسعود الجهني
النفط هذه المادة (النفيسة) أهميتها ومستقبلها وإنتاجها واستهلاكها وفناؤها حقيقة وخيالاً ومبارزة الزيت الصخري والرملي لها، ومعهما المصادر المتجددة، واللاعبون الرئيسيون الموجهون لسوق النفط الدولية ودورها المؤثر في السياسة والاقتصاد الدوليين، والتطورات المتسارعة في سوق النفط الدولية، يتساءل الكثيرون عن إجابات لها.
منظمة (أوبك) التي تسيطر على 81.89 في المئة من الاحتياطي النفطي المثبت عالميًا، وجدت عبر تاريخها أن التحكم في حجم الإنتاج زيادة أو خفضاً هو السلاح الأنجع لضمان عدم هبوط الأسعار، بينما ترد وكالة الطاقة الدولية على ذلك بأساليب الترشيد في استهلاك النفط وشهر سلاح المخزون الاحتياطي إذا دعت الضرورة وفرض الضرائب الداخلية على استخدام الطاقة، إلى جانب نشاطها في البحث والتنقيب وإيجاد مصادر بديلة على نحو يضمن لها استمرار إمدادها بالنفط الرخيص، هذا في سنوات ارتفاع الأسعار الذي بدأت مسيرته في رمضان المبارك - أكتوبر 1973.
منظمة الأوبك رغم أن حصتها في السوق الدولية لا يزيد عن 40 في المئة رغم احتياطيها الضخم ستبقى اللاعب الأكبر في السوق خاصة في حالات تدني الأسعار إلى أقل من (50) دولارًا للبرميل، على عكس النفط الصخري الذي تحتفل أمريكا بطفرته اليوم يتوقع له أن يستمر على حاله لفترات أطول لارتفاع تكلفة إنتاجه، رغم التطور التكنولوجي في صناعته.
والمتابع لتطورات أسعار الذهب الأسود ومستقبلها خاصة بعد أن اتحد المستقلون من الدول المنتجة خارج الأوبك مع المنظمة ليشكلوا نادي نفطي ضخمًا استطاع أن يعيد للسوق استقرارها خاصة الدعم الذي كسبه هذا النادي من كل من السعودية صاحبة الاحتياطي الضخم (266.26) مليار برميل والإنتاج الكبير، وروسيا التي تتمتع بنسبة إنتاج تتوازن مع المملكة ولها من الاحتياطي (80) مليار برميل، ومثل تعاونهما بوصلة مهمة لدفة الأوبك.
ومما يؤكد خبرة ودور أوبك التي بلغت سن التقاعد ولا زالت في ريعان شبابها، أنها بعد شد وجذب في الأشهر الأخيرة استطاعت والمتعاونون معها ضخ 400 ألف ب/ي اعتبارًا من هذا الشهر، وهذه الكمية من براميل النفط ستستمر حتى انتهاء كمية الخفض التي كانت المنظمة ومعها الدول الأخرى أعضاء النادي النفطي قد قررتها والبالغة (5.8) مليون ب/ي.
وقد جاء هذا الاتفاق التاريخي بعد أن بلغ التزام الأوبك وحلفائها باتفاقية الإنتاج (113 في المئة) خلال شهر يونيو الماضي، ولأن أعضاء النادي النفطي أصبحوا يملكون (قوة) توجيه مسيرة سوق النفط الدولية إلى حد كبير، هذا جعلهم يقررون في اجتماعهم الأخير في 25 يوليو رفع خط الأساس للإنتاج أعضاء النادي من 43.8 إلى 45.5 مليون ب/ي، يسري مفعوله اعتبارًا من شهر مايو 2022 ولأن السعودية وروسيا كبار المنتجين فقد قرر المؤتمرون رفع خط الأساس للدولتين بمقدار 500 ألف ب/ي لكل منهما ليصبح المستوى 11.5 بدلاً من 11.
أما بالنسبة للإمارات فإن خط الأساس حدد عند (3.5)، الكويت (2.95)، العراق (4.8)، وكل تلك المحددات الجديدة سيتم تطبيقها اعتبارًا من شهر مايو 2022.
لا شك أن تحالف أوبك بلس يعد في علم النفط تاريخيًا، فهو يأتي والجائحة (الخبيثة) لا زالت تضرب أنيابها بقوة خاصة في ساحة الدول الفقيرة، ومع ذلك بقي النفط صامدًا كجبل طويق رغم ما قيل عن سقوطه يومًا وملأ الغمام.
ونعتقد أن نمو الطلب عليه قاب قوسين، وسيبلغ الإنتاج الـ(100) مليون ب/ي في المستقبل القريب، بل إن غروب شمس الجائحة إذا حدثت السيطرة على عنفوانه فإن نتيجته الحتمية زيادة الطلب على النفط.
وإذا كان البعض أعتقد أن الانخفاض الأخير لأسعار النفط بعد أن كسر حاجز الـ(75) دولارًا للبرميل سببه قرار أوبك وحلفائها برفع الإنتاج فإن هذا الرأي لا يسنده دليل نفطي واقعي، فسوقه الدولية عرضة للتقلبات مثلها مثل السلع الأخرى.
فأنا مع المتفائلين دائمًا بأن سلعة النفط ستبقى أهم وأغلى سلعة عرفها التاريخ الإنساني وستبقى في هذا القرن المليء بالأحداث الجسام، وستبقى أسعاره متماسكة في العقود القادمة، وينطبق ذلك على نمو الطلب عليه.
هذا لأنها السلعة الأهم في تزويد العالم بالطاقة خصوصًا الدول الصناعية التي تستهلك (75) في المئة من إجمالي الاستهلاك العالمي من هذه السلعة النفيسة النفط التي سيطرت وتسيطر على الأحداث العالمية على المستوى السياسي والاقتصادي ..الخ.
ويكفي للتدليل أن دولة واحدة (الصين) ثاني أكبر اقتصاد على المستوى الدولي صادراتها للولايات المتحدة الأمريكية (2.5) ترليون دولار بينما صادرات أمريكا إليها بحدود (1.5) ترليون دولار سنويًا، هذه الدولة (الصين) يزداد طلبها على النفط سنويًا كلما زادت صادراتها.
وهناك اقتصادات أخرى تلي أمريكا والصين في حجم الصادرات والواردات منها ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية والهند وغيرها تعيش عطشًا نفطيًا مما يزيد الطلب عليه.
وبذا فإن النفط بأياديه البيضاء سيبقى سلعة العصر لا غنى عنها يضخ الحياة في عروق الحضارات والاقتصادات والصناعة وكل مناحي الحياة، وقد ترى سوقه الدولية سعرًا يكسر حاجز الـ(100) دولار يومًا.
والله ولي التوفيق،،،
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة