صيغة الشمري
قبل أيام كنت أتابع فقرة تلفزيونية تم خلالها استضافة إحدى الفتيات التي تخصصت بغسل الموتى، لاشك بأن تغسيل الأموات عمل إنساني وديني عظيم وأجره عند الله كبير، وهو دور اجتماعي رائع وخدمة جليلة يشكر عليها كل من يقوم بها، عندما وجدت الحوار مع فتاة دفعني الفضول كعادتي لمتابعة أي حوار مع بنات وطني اللواتي يقدمن أعمالاً جليلة للمجتمع كهذه الفتاة، لكنها ما لبثت لتحكي قصصاً غريبة عن الموتى، شعرت بالوحشة والحزن، لم يكن يهمني مصداقية بعض القصص من عدمها، بل كان همي الأكبر بأن هذه القصص جزء من حرمة الموتى التي يجب أن يكون مغسل الموتى مؤتمناً عليها حتى وإن كانت صحيحة، حتى وإن قيلت من باب العظة والعبرة أو من باب التحفيز وحتى إن ذكرت هذه القصص بدون ذكر أسماء أصحابها، مغسل الموتى مثله مثل الطبيب النفساني وجميع المهن التي تقتضي السرية وعدم إفشاء المعلومات لا بالتلميح ولا بالتصريح، القصص المروعة التي ذكرتها مغسلة الموتى استقبلها الناس بين مصدق وبين مكذب في موقف كان من الممكن عدم الوقوع فيه من البداية التي يجب فيها التحدث -من الأساس- عن مثل هذه القصص وغيرها لأنها ببساطة تخص متوفى قد يرفض رفضاً قاطعاً الحديث عن ما حصل له من تجربة أثناء تغسيله، الموت بحد ذاته واعظ ولا يحتاج ذكر بعض القصص التي يصعب تصديقها -حتى وإن كانت صادقة- عن طريق مغسل الموتى، تمنيت أن يمتنع جميع الذين يقومون بهذه الخدمة الإنسانية العظيمة بعدم التحدث عن القصص التي تحدث للموتى سواء كانت سلبية أو إيجابية احتراماً لخصوصية الموتى خصوصاً أن الهدف الأساسي من عملهم في تغسيل الموتى هو البحث عن ما عند الله سبحانه، ومنهم من يقوم بتغسيل الموتى تطوعاً من تلقاء نفسه بحثاً عن الأجر، هذه القصص المروعة -بغض النظر عن مدى مصداقيتها- تضر أكثر مما تنفع، وتسيء لصورة مجتمع يحاول أن يقدم نفسه للعالم بصورة حضارية وزاهية بعيداً عن القصص التي ترسم عن مجتمعنا صورة تثير السخرية أو التهكم.