عبد الرحمن بن محمد السدحان
* أحسبُ أن كثيرين من تلاميذ وأساطين الفكر السياسي المعاصر في أمريكا يتذكّرون المفكّر السياسي المعاصر فرانسيس فوكو ياما، الأمريكي الجنسية من أبوين يابانيّي الأصل، خريج جامعة هارفارد وأستاذ العلوم السياسية بجامعة (جون هوبكنر) في واشنطن.
* * *
* إنه صاحب النظرية المثيرة للجدل (نهاية التاريخ) ومن خلالها حلّق أسمُه في فضاء الجدل السياسي شهرةً وصيتًا، متجاوزًا بذلك حدودَ بلاده إلى كثير من أصْقاع العالم.
* * *
* ذلكم هو الأكاديمي والمفكر السياسي فرانسيس فوكو ياما، صاحب نظرية (نهاية التاريخ) التي تتكئ على رؤية ظاهرُها (رومانسية سياسية)، وباطنها (استعمار فكري)، يزعمُ صاحبُها أن (الليبرالية) الغربية قد انتصرت انتصارًا مبينًا ممثلةً في الولايات المتحدة الأمريكية، عبْر دبلوماسيتها المتدثّرة بعبائة (الديمقراطية)، مستشهدًا بالظن أن التيّار (الليبرالي) الغربي بات قادرًا على (جَبِّ) ما قبله!
* * *
* ومن خلال هذه النظرية، تسلّل (المحافظون الجدد) في أمريكا خلالَ عقد التسعينات الميلادية إلى ذاكرة التاريخ من نافذة نظرية فوكو ياما، ليتخذوا منها (بُوصلةً) تكيّف توجّهات وممارسات السياسة الخارجية الأمريكية عبْر دهاليز السياسة وممارساتها، فإن لم يُجْدِ ذلك، فعلى ظهر (دبابة) أو جناح قاذفة قنابل!
* * *
* بذلك تحوّل فوكو ياما، منظِّر المحافظين الجدد، إلى قطب أساسي في رُحَى السياسة الخارجية الأمريكية ورَسْم خياراتها. واحتل بذلك منزلةً من التقدير زمنًا طويلاً!
* * *
* ثم كانت المفاجأة المذهلة للمفكر العالمي إثْر سماع فوكو ياما حَديثًا في لقاء ضمّ عَددًا من صقور المحافظين الجدد عقب الاجتياح الأمريكي للعراق، وما ترتّب على ذلك من فوضى الاقتتال اليومي والتدمير العشوائي في كل اتجاه، وقد أشاد المتحدث في ذلك اللقاء باحتلال العراق تحت ستار (البحث عن أسلحة الدمار الشامل)، معتبرًا تلك الحملة (نجاحًا منقطع النظير)!
* * *
* كان ذلك اللقاء بمثابة (ناقوس) أيقظ الشك في ذهن فوكو ياما ضد (حلفائه) المحافظين الجدد، وبات يُسَائل نفسَه: أهذه هي الديمقراطية التي كنتُ (أُبشّر) بها في كتابي (نهاية التاريخ) ظنًا بأن ذلك هو (الحل) لما يعانيه العالم؟!
* * *
* بهذه التساؤلات الساخنة، بدأت رحلة (العودة) في فكر فوكو ياما، متخذًا موقفًا (ضدّ) المحافظين الجدد، وتوّج (انقلابه) على نفسه والمحافظين الجدد بكتاب حمل العنوان: (أمريكا على مفترق الطرق)، برّر فيه موقف (اللاّعودة) في علاقته مع حلفاء الأمس، كما أعلن رفضه الكامل لغزو العراق، وما ترتب على ذلك من دمار عنيف!
* * *
* أجل.. لقد ابتُليَ المحافظون الجدد في أمريكا بـ(شاهد منهم) كشف فيما بعد زيفَ ما كانوا يدبّرون ويفعلُون!