لعَمْرُكَ ما الرَّزِيَّة فَقْدَ مالٍ
ولا شاةٌ تَمُوتُ ولا بَعِيرُ
ولكنَّ الرَّزِيَّة فَقْدُ فذ
يمُوتُ لِمَوْتِهِ خَلْقٌ كَثِيرُ
ما أفصح قول هذه الأعرابية، وما أجمل بيانها
نعم.. فإن فقد رجل بحجم وقامة أبا فهد الشيخ ثنيان بن فهد الثنيان رزية كبيرة.. ومصاب جلل.. ليس لأسرته ومحبيه فقط.. وإنما للوطن.. فقد كان نِعم المواطن الصالح الذي أحبَّ وطنه وتفانى في خدمته وأخلص لولاة أمره.. كان كريمًا مضيافًا قلبه مفتوحًا قبل بابه ومجلسه.. كان مثلاً للمواطن الصالح المخلص كرَّس حياته في خدمة الوطن فكانت شمائله ومآثره لا تُعَدُّ ولا تُحصى.. كان علامة فارقة فى الكرم والبشاشة والعطاء وقضاء حوائج الناس بوجاهته، وشفاعته الحسنة وكفِّه الندي.. أحبَّه كل من جالسه أو التقى به في مجالسه الخاصة أو في ميادين العطاء والعمل، شرفتُ بمعرفة الفقيد منذ ما يزيد على الثلاثين عاماً وكنت دائم الزيارة له، وقد كانت مجالسته جامعة تتعلم فيها، فهو بحق جماعة في رجل وخبرات ثريَّة ومتنوعة كسبها خلال عمله في الحياة وفي ميادين الأعمال، فهو ذو عقل راجح، وبُعد نظر.. يملك الحكمة.. والحلم.. وصواب الرأي، وأحسب أن له خبيئة كانت من نِعم الله عليه إذ أطال الله في عمره وبارك في عمله.. ورغم تقدُّمه في السن فقد بارك الله له في صحته ومتَّعه في سلامة حواسه.. كان ذا نهم بالقراءة والاطلاع.. محبًا لإقتناء الكتب مولعًا بالتاريخ وخاصة ما يخص تاريخ المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية، وقد جالسته مرات عديدة في مكتبته الخاصة فى بيته العامر والتي كانت تحوي أمهات الكتب من المصادر والنوادر.. وقد خصص وقتًا للقراءة، في كل مرة يسألني عن الجديد وما صُدرحديثًا.. إذ يملك ثقافة ذات غزارة.. كما أن لديه سِفرًا كاملاً للكثير من الأخبار والروايات، ولديه إلمام كبير بتاريخ نجد وأُسرها وأنسابها يجعلك لا تمل وأنت تستمع إليه.. ومن صفاته الأخرى أنه رجل يتميز بعلاقات واسعة مع جميع أطياف المجتمع حيث تجد ديوانه المضياف يجمع الأمير والوزير والعالم وطالب العلم والمفكر والمثقف والطبيب والوجيه والشاعر والرجل البسيط، ورجل البادية وابن القرية ودائماً ما يكون الحوار والحديث منوعًا وجذاباً وممتعاً ومفيدًا ومسليًا، وكان الجميع ينصت عند مداخلاته وتعليقاته إذ يقدم فيها إلماحات جميلة.. فيها تصويب لخطأ.. وإضافة لنقص.. وما يستفاد منها الآن.. فكانت مداخلاته ذات مغزى مفيد.. وهدف واضح.. ويقدمها دون أن تحس أنه يصوب حديثه للمتكلم.. أو يستدرك عليه.. وكل ذلك بأدب جمّ.. وأسلوب قلمَّا تراه إلا من الكبار.. ومن صفات الشيخ ثنيان أنه كان ذا رباطجأش، ومجالدة للنفس.. ويتغالب على الآمه وهمومه.. ومرضه.. ومعاناته ولا يبين شيئًا من ذلك لضيوفه ويجد في زيارتهم لمجلسة راحة بال له.. بل إن ذلك يظهر على محياه ووجهه الباش.. والشيخ ثنيان رجل نال ثقة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- حيث عمل تحت قيادته في قصر الفهد والذي يرمز للقصر الذي جمع أبناء الملك عبدالعزيز من زوجته سمو الأميرة حصة بنت أحمد السديري -رحمها الله- المتوفاة في عام 1389هـ.. إذ كان محل ثقة الملك وجميع الأمراء من أبناء الأميرة حصة ومنهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- والذي ظلَّ وفياً معه، وقد تشرفت بعمل كتاب تحت الطبع عن الأميرة حصة بنت أحمد السديري -رحمها الله- وقد أفدت من الشيخ ثنيان في هذا الجانب كثيراً.. كما أن الشيخ ثنيان كان شكورًا دائم التوقير للنعمة وشكرها.. وقد خلَّف الشيخ أولادًا نجباء من البنين والبنات منهم ابنه البكر فهد الذي تربطني به علاقة أخوة ومحبة وهو شبيه أبيه في الكثير من الصفات ومن شابه أباه فما ظلم يملك كارزيمًا جاذبة.. وقدرة في العلاقات الاجتماعية.. وكسب الأصدقاء.. طلق المحيا.. وهو على كثرة مشاغله كان باراً بوالديه قريبًا من والده يفهم ما يريد من نظراته وإيمآته.. ولم أحضر في مجلسهم العامر في البيت أو المزرعة بالعمارية إلا أجده في مقدمة مستقبلي ضيوف والده مرحبًا بهم وباشاً في وجوههم يخصهم بترحيبه والعناية والاهتمام بهم.. وما ذكرته عن فهد ينسحب على شقيقه عبدالعزيز -رحمه الله.. ورحم والده الشيخ ثنيان رحمة واسعة وجمعه به في جنات ونهر عند مليك مقتدر.. وأخيرًا خالص العزاء للوطن.. ولأسرة الشيخ ثنيان.. ومعارفه ومحبيه.. ولا نقول برحيله إلا ما يرضي ربنا عز وجل..{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. وإنا على فراقك يا أبا فهد لمحزونون.
** **
- فهد عبدالعزيز الكليب