جاءت الشريعة الإسلامية بالكمال في كل ما تناولته من تنظيم لشؤون الإنسان وبما يصلح أحواله الدينية والدنيوية. ومن نافلة القول أن نشير إلى تمام التشريع وكماله وصلاحيته لكل زمان ومكان، فهذا من بديهيات المعرفة لمن نظر بعدل وإنصاف بعيدًا عن التحامل والانحياز. ومما شملته الشريعة بكمالها وسموها ما يتعلق بالتقاضي والفصل في الدعاوى بمختلف تنوعها وتعدد مجالاتها في الجانبين الموضوعي والإجرائي، ولذا فإن من يدقق النظر في أحكام وقواعد الإثبات المستمدة من نصوص القرآن الكريم وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وما سار عليه الصحابة والتابعون يجد بأن هناك سبقاً في تحديد وسائل الإثبات والنص عليها وترتيب درجتها في الإثبات من حيث القوة والحلول المناسبة في حال تعارض أدلة الإثبات ومرونة الشريعة الإسلامية في الأخذ بوسائل الإثبات الحديثة من طبية وتقنية وعلمية وغيرها.
وقد كانت القواعد العامة في الإثبات كافية لأنها تتناول المسائل المتعلقة بالإثبات بصورة مجملة وفي نفس الوقت لا تتعارض مع الأخذ بما هو جديد في الإثبات حتى وإن لم يرد عليه النص بالتحديد استنادًا إلى عدم وجود ما يمنع من ذلك نصاً أو عرفاً إضافة إلى أن الشريعة قائمة على جلب المصالح كما أن البينات وإن كانت من النوازل الجديدة فإنها معتبرة لأنها تبين وجه الحق الذي يستند عليه الحكم القضائي.
ولم تغفل السلطة التشريعية في المملكة أهمية الانتقال إلى تقنين مسائل الإثبات فأوردتها في مكانها الملائم في كل قانون على حدة، حيث تضمنت قوانين الإجراءات الجزائية والمرافعات والمحاكم التجارية الكثير من تلك النصوص القانونية المتعلقة بالإثبات وهو أسلوب مناسب إذا كان مؤقتاً لتفادي وجود ثغرات قانونية في مسائل الإثبات ولكنها مع اكتمال النقلة التشريعية تصبح غير ملائمة إذاً المناسب والملائم هو جمع تلك النصوص القانونية المتفرقة والمتعلقة بالإثبات في قانون واحد يسمى قانون الإثبات.
ويبدو أن هذه المرحلة أصبحت وشيكة وفرضت نفسها وبالتالي لا بد من الاستجابة الطبيعية لها لأنها أصبحت ضرورية وملحة في آن واحد وهذا ما نفهمه من أخبار قانونية تؤكد بأن قانون الإثبات في الطريق إلى الإعلان عنه قريباً بل وهناك من تداول مسودات لقانون الإثبات في بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الالكتروني الاجتماعي.
ومن واقع وتجربة فإن توقعي بأن يكون لدينا قانون إثبات متميز يستند إلى ما هو معروف عن بلادنا من تطبيق للشريعة الإسلامية والأخذ بالقوانين الحديثة والتفوق في استخدام التقنية والاهتمام المتواصل بتطوير البيئة التشريعية والسلطة القضائية، وهي جهود بدأت واستمرت ولن تتوقف حتى تحقيق أفضل النتائج في أنبل غاية وهي تحقيق العدل والإنصاف بين المتخاصمين أمام القضاء.
** **
- المحامي د. أحمد العمري