محمد سليمان العنقري
جائحة كورونا التي تقترب من إكمال عامين وهي جاثمة على صدر العالم، بقدر ما كانت كالمحاسب العظيم الذي كشف الكثير من القصور في منظومة التعاون الدولي للجم مثل هذه الأوبئة ومنع تفشيها أظهرت أيضا حجم التباين الكبير بين الدول في مدى قدرتها على التعامل مع الأزمات الصحية وكيفية تنظيم الاحترازات وحماية مجتمعاتها من المخاطر الصحية لهذه الجائحة غير المسبوقة بانتشارها إذ لم يبق دولة في العالم إلا وتفشت بها وإن كان بنسب مختلفة بينها، لكن أكثر ما ضغط على الدول هو الحرائق الاقتصادية التي أشعلتها هذه الجائحة وتحولت الدول معها إلى تجنيد كل الإمكانات لإدارة هذه الأزمة الاقتصادية وإطفاء حرائقها بمبادرات عديدة وبتكاليف باهظة جداً.
لكن بعد مرور كل هذه الشهور من بداية الأزمة وما تم رصده من جبال من الأموال لوأدها هل فعلاً يمكن القول إنها أصبحت خلفنا وأن العالم دخل مرحلة التعافي والبحث عن قفزات كبيرة بالنمو تعوض ما فقد في العام الماضي من وظائف تخطى عددها 140 مليون وظيفة وانكماش ضخم ورصد عشرات التريليونات لتحاوز هذه الكارثة، فالمعطيات الحالية قد تكون إيجابية بما يسمح بالقول ان التعافي الاقتصادي عالميا بات حقيقة فصندوق النقد الدولي بتقريره عن آفاق الاقتصاد العالمي ذكر أن النمو المتوقع لهذا العام سيصل لنحو 6 في المائة كما أن تقارير عديدة ترصد حركة التجارة الدولية تشير لتحسن كبير فيها وقد ظهر ذلك بارتفاع متسارع لأسعار النقل البحري للسلع والبضائع كما أن التضخم مرتفع في أغلب الدول نتيجة التسارع بالطلب على السلع والخدمات وعدم قدرة العرض على تغطية الاحتياجات نتيجة عدم عودة التشغيل الكامل لاقتصادات دول عديدة إلى ما قبل هذه الجائحة فالطلب على البتروكيماويات على سبيل المثال وصل إلى عشرة في المائة حالياً نموا عن الفترات المماثلة من العام الماضي كما تعاني شركات صناعة السيارات نقصاً في الرقائق الالكترونية نتيجة تراجع الإنتاج بسبب الاقفالات الاحترازية سابقاً مما أدى لتوقف بعض خطوط إنتاج هذه السيارات ويلاحظ أن النفط تتسارع وتيرة نمو الطلب عليه ليصبح قريباً من مستويات 2019 أي ما قبل الجائحة حيث وصل الطلب إلى 96 مليون برميل وهو قرب أعلى المستويات السابقة حول 100 مليون برميل بعد أن هبط الطلب بالعام الماضي في بداية الاقفال الكبير للاقتصاد العالمي إلى نحو 63 مليون برميل يومياً.
أما في تقرير الفيدرالي الأمريكي أكبر وأهم بنك مركزي بالعالم فهو يشير إلى تقدم في الاقتصاد الأمريكي لكنه لم يصل لمرحلة التعافي الكامل ولذلك أبقى على سياسته التحفيزية كما هي دون تغيير مع مراقبة لصيقة لمعدلات التضخم التي قفزت نسبتها لنحو 5 في المائة لكن نظرته تتوافق مع نظرة صندوق النقد الذي يرى أن التضخم سيعود للتراجع عالمياً بالاقتصادات المتقدمة العام القادم بعد أن يتوازن العرض والطلب وهو ما يراه الفيدرالي الأمريكي ولكن الصندوق ألمح أيضا إلى أن التضخم قد يستمر مرتفعا إذا لم ينته عدم اليقين بعودة التعافي والتشغيل للاقتصاد العالمي لسابق عهده قبل الجائحة وبقدر ما أوضح الصندوق ما حصل من تحسن بالاقتصاد العالمي لكنه يرى أن المخاطر قائمة بسبب التباين الكبير بين الدول بتحصين شعوبها فالدول النامية ما زالت معدلات التحصين فيها هزيلة قياسا بالدول المتقدمة والناشئة التي تمتلك اقتصادات متينة واحتياطيات مالية وفيرة لكن مع زيادة المتحورات لفايروس كورونا تبقى المخاطر قائمة وعدم اليقين مسيطر على الاقتصاد العالمي ويتطلب تكثيفا كبيرا لزيادة توزيع اللقاحات خصوصا للدول الفقيرة فالعدو ليس تقليديا وأثره في الصحة العامة كبير وعلى العامل النفسي للأفراد واسع مما يحد من تأثيرهم بنمو الاستهلاك وأثر ذلك بنمو الاقتصادات وعودة النشاط للقطاعات المهمة المتضررة كالسياحة وخدماتها من نقل وتجزئة وخدمات مالية والكثير من الأنشطة المرتبطة بها.
تقدم كبير بتحسن الاقتصاد العالمي كلف مبالغ طائلة ومعدلات نمو متسارعة وضخمة لكن النار التي الهبت الاقتصاد العالمي لم تنطفئ بعد بالمجمل وإن كانت الدول قد أصبحت أكثر خبرة بالتعامل مع الأزمة والفايروس لكن المتحورات وعدم التوسع بتوزيع اللقاحات دوليا يبقى احتمال عودة المخاطر قائماً وان كان بنسب بسيطة قد لا تتجاوز 25 في المائة إلا أن الحذر مازال قائماً وستبقى الدول حذرة في خططها ومبادراتها الاقتصادية حتى تكون جاهزة للأسوأ فحتى يتجاوز العالم الخطر على الأقل لو نظريا مازال بحاجة لمضاعفة جرعات اللقاح المعطاة عن الرقم الحالي الذي وصل إلى 4.2 مليار جرعة لكنها لم تحصن إلا نحو 21 في المائة من سكان العالم بينما أغلب الآراء الطبية ترى أن المناعة المجتمعية تتطلب تحصين 70 في المائة من سكان العالم.