حمّاد بن حامد السالمي
* ماذا يجري على أرض (الأحواز) من شرقي الوطن العربي، التي تبلغ مساحتها (370.000 كم مربعًا)، والتي يعيش فوقها بين مليونين إلى ثلاثة ملايين نسمة من الأقلية العربية في الدولة الفارسية المركبة من أقليات وعرقيات شتى، أكبرها بطبيعة الحال الفرس؛ الذين يُشكل عددهم قرابة نصف عدد سكان إيران اليوم..؟
* لا يمكن أن ينحصر المشكل فقط في تعطيش وتجويع العرب في هذه البقعة؛ التي كانت قبل تسعين من السنين العجاف عربية خالصة. إن مجمل الأزمات التي تعيشها إيران الخمينية منذ سقوط الشاه؛ أدت إلى هذه الحالة في الأحواز، وبرز ما يماثلها ويتناغم معها في بقاع أُخَرَ من إيران؛ حتى بين الفرس أنفسهم، ولا بد أن المارد العربي في الضفة الشرقية للخليج العربي وشط العرب؛ بدأ يتحرك في هذه الجموع التي خرجت تطالب بحقها في العيش الحر الكريم، فهي التي كانت أرضها على مدى عقود مضت؛ معابر لأسلحة وأموال وخبراء إيران التي تتجه غربًا لتخريب وتدمير بلدان عربية في العراق وسورية ولبنان، ثم اليمن في آخر المطاف. الدم العربي في عروق الأحوازيين يغلي على ما يبدو، ونحن حين نتابع مظاهراتهم ونداءاتهم وحشودهم المناهضة لظلم الفرس وعدوانهم على خيرات بلدانهم المائية والنفطية والزراعية لنتساءل- وحق لنا هذا- هل من نصير ومعين وسند من أبناء الدم الواحد في طول الوطن العربي وعرضه..؟ وخاصة إخوة الدم والجوار في العراق المبتلى بإيران وأموالها ودسائسها، وتخريبها للأنفس، وشرائها للذمم الضعيفة، وانتهاكاتها للأرض والعِرض في بلاد عربية عريقة، عبرت بها من العراق إلى بلاد عربية أخرى بعدها، فدمرتها واحتلتها، وأنهت وجودها، وهذه سورية، وهذا لبنان، وهذه اليمن، وهذه غزة.. كلها مرهونة وتابعة للنظام الإيراني، بقيادة الجبناء والعبيد من أبنائها، الذين يتغنون بالحرية والعروبة ليل نهار..! هل من معين..؟ ولو من باب: (بضاعتكم رُدت إليكم، والمعاملة بالمثل، ومن دقّ باب الناس دقّوا بابه، وكما تدين تُدان، وهذا ما حصدته سياستكم العنصرية مع جوارها العربي، من غدر وخيانة واحتلال لبلدان عربية كانت رائدة في العمل العربي، ولها مكانتها في جامعة الدول العربية، وفي المحافل الدولية، حتى تحولت إلى ولايات فارسية، يحكمها الحرس الثوري، وتديرها مليشيات مأجورة بالقتل والترهيب)..؟ هل.. وهل.. وهل..؟
* نسمع ونرى ما يجري هناك لإخواننا العرب في الأحواز؛ التي تعني مما تعني في اللغة: الحيازة والملكية الخاصة، فهي خاصة لأهلها من العرب منذ زمن بعيد، فقد كان يحكمها الشيخ خزعل بن جابر الكعبي، الملقب آنذاك بـ (أمير عربستان) أو (أمير المحمرة)، قبل أن يقوم الشاه الأب رضا بهلوي بغزوها عسكريًا سنة 1925م، ويأسر الشيخ خزعل، ومن ثم يضم الإقليم بمعزل عن إرادة شعبه العربي. ويبدو أن الشعب العربي في الأحواز: يفضلون هذا الاسم على غيره، وهو الذي شاع في السبعينيات من القرن الفارط. وهذا حقهم. كما أن من حقهم الاستقلال والعيش بحرية وكرامة على هذا الإقليم . يذكر المؤرخون القدامى؛ أن السلالة الصفوية في إيران؛ والعثمانيين في تركيا؛ كانوا يطلقون على الإقليم تسمية: (عربستان)، وتعني أرض العرب، لخمسة قرون تقريبًا، أي من القرن الـ16 حتى نهاية حكم الكعبيين في عشرينيات القرن الماضي، وهناك اسم ثالث هو (الأهواز)، وهو اسم قديم، ذكره المؤرخون العرب، وجاء ذكره في رسالة للخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ومن ذلك (يوم الأهواز)، الذي تغلّب فيه العرب على الفرس عام 17 للهجرة. والأهواز: إقليم عربي واسع، يتكون من سبع كور بين البصرة وفارس، وقد ورد ذكر له في شعر للصحابي: (الأسود بن سريع)؛ يصف هروب القائد الفارسي من معركة الجسر بالقرب من الأهواز، ويكرر فيه اسم الأهواز بـ(الهاء) فيقول:
لعمرك ما أضاع بنو أبينا
ولكن حافظوا فيمن يطيع
أطاعوا ربّهم وعصاه قوم
أضاعوا أمره فيمن يضيع
مجوس لا ينهنهها كتاب
فلاقوا كبّة فيها قبوع
وولّى الهرمزان على جواد
سريع الشّدّ يثفنه الجميع
وخلّى سرّة الأهواز كرهًا
غداة الجسر إذ نجم الرّبيع
* المتتبع لتاريخ الأهواز-الأحواز وأدبها وشعرها؛ يجد أن عرب هذا الإقليم؛ أكثر تمسكًا بلغتهم العربية وتاريخهم وشعرهم وثقافتهم؛ فكيف إذن لا يطالبون بحريتهم واستقلالهم من المحتل الفارسي..؟ هذا واحد من شعراء الأحواز المفوهين اسمه: (علي بن خلف المشعشعي).. كان حاكمًا لهذا الإقليم (1060- 1088 هجرية)، مثله مثل معظم الأمراء والحكام من آل مشعشع وبني كعب؛ الذين حكموا الإقليم، ينشدون الشعر العربي، فهو يقول في هذه القصيدة؛ ما تكنه ضمائر الشعب العربي في كافة كور ومدن الأحواز منذ زمنه إلى يوم الناس هذا:
ما زلتُ حربًا للزمان وأهله
ما زلت في طلب الكمال مشمرًا
وإذا الفتى صحب المكارم والثنا
عاد الزمان وأهله من ذا الورى
فاشمخ بأنفك للثريا رفعة
ما في الثريا خير من فوق الثرى
أي المفاخر ما احتواها سؤددي
لو رمت فخرًا لم تجد لك مفخرا
وكما علمت شمائلي ومناقبي
لو قستها بالشمس كانت أظهرا
فخر قريض بأنني الهج به
وبه افتخار سراقة والشنفرى
وإذا نطقت فإن لفظي مخرس
قس بن ساعدة الخطيب وعنترا
* هيا إذن نقف مع إخواننا في الأحواز؛ لأننا بذلك نحرر أرضًا عربية محتلة؛ وننصر عربًا مظلومين، ثم نكبح جماح قوة عنصرية غاشمة، تعبر من الأحواز إلى حياضنا وديارنا، فتخربها، وتدمرها، وتستولي على خيراتها.
* هل وصل صوت عرب الأحواز اليوم خصيصًا؛ إلى القبائل العربية الحرة في (العراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن)..؟ لعل وعسى.