خبر جلل وفقد عظيم، ومصاب كبير، أن تفقد نجيباً من النجباء، ونقيباً من النقباء، وعابداً من العبَّاد. رجلٌ لازم محرابه إماماً وخطيباً لأكثر من نصف قرن من الزمان، يا له من عمل مبارك، وجهد عظيم، فطوبى لمن طال عمره وحسن عمله.
ففي يوم عيد الأضحى المبارك من العام الثاني والأربعين بعد الأربعمائة والألف للهجرة النبوية، ودعت خطامة سدير أحد نجبائها، وقامة من قاماتها، إنه الشيخ الجليل والإنسان الوقور ذو القلب الصدوق والعمل الصالح الدؤوب. لقد كان مشهودًا له بالخير والطاعة والعبادة ومذكوراً بأعمال الخير والكرم.
فقده مصلاه فهو القائم الراكع الساجد أمَّ المصلين في جامع الخطامة القديم ثم جامع المخطط لأكثر من خمسين عاماً لا يتخلف إلا نادراً ولعذر شرعي.
فقده مجلسه العامر فهو صاحب الكرم وقامة من قامات الرجال الأكارم، وداعية من الدعاة الأماجد.
وهو معدن من معادن الرجال الصالحين وقامة من قامات المحتسبين.
إنه الشيخ العابد عبد الرحمن بن إبراهيم الرميح، الذي رحل وما رحل من قلوبنا فذكراه ماثلة أمامنا.
فأعزي نفسي وأولاده وذويه ومحبيه، وأقول في المصاب ما ورد في السنة والكتاب {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (155-156) سورة البقرة.
ونتمثل في مصابنا ما قال أبو الحسن التهامي في مرثيته:
حُكمُ المَنِيَّةِ في البَرِيَّةِ جاري
ما هَذِهِ الدُنيا بِدار قَرار
بَينا يَرى الإِنسان فيها مُخبِراً
حَتّى يُرى خَبَراً مِنَ الأَخبارِ
طُبِعَت عَلى كدرٍ وَأَنتَ تُريدُها
صَفواً مِنَ الأَقذاءِ وَالأَكدارِ
وَمُكَلِّف الأَيامِ ضِدَّ طِباعِها
مُتَطَّلِب في الماءِ جَذوة نارِ
فهذا حال الدنيا بفقدان الأحبة وفراق الأصحاب والانتقال تحت التراب والافتقار إلى العزيز الوهاب، فهنيئاً لمن كان حاله في طاعة رب الأرباب وفتح له في كل خير باب.
ونحسب أن فقيدنا قد سلك هذا الفجاج، وأصلح المهاد، وكان حسن الوفاد، فاللهم أنله حسن المآب, إنه -رحمه الله- عرف عنه جلده وصبره في طاعة الله إمامًا وخطيبًا، ذو قراءة طيبة، ونبرة خاشعة، مع ما كان محتسبًا قائمًا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كان الشيخ الوقور عبد الرحمن الرميح من رجالات الدعوة والاحتساب في خطامة سدير، وله إسهام كبير في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وله إسهام في أعمال البر والإحسان، وكان من أعز أصدقاء والدي -رحمهم الله أجمعين، وقد زاملته في العمل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سنوات عديدة، وكذلك كان من زملاء والدي في العمل بالحسبة لأكثر من أربعة عقود.
غادر فقيدنا الدنيا وقد تجاوز التسعين عامًا بعد حياة حافلة بالخير وطاعة رب البريات.. وقد ابتلاه الله بالمرض في آخر سنوات حياته فكان صابراً شكوراً.
والحديث عن فقيدنا ذو شجون، وسيرته العطرة لا تسعها هذه الأسطر، فهذا غيض من فيض كتبتها على عجالة.
أسأل الله أن يكتب لذريته السعادة وحسن العاقبة وأن يجعله في عليين ومن الشهداء المقربين مع النبيين والصديقين وحسن أولئك رفيقًا وأن يجمعنا معه في الفردوس الأعلى وأن يصلح الحال في الآخرة والأولى.
** **
- بقلم: خالد بن ناصر بن حميد