سلمان بن محمد العُمري
ربما يكون الموضوع غريباً في عنوانه ولا غرابة في ذلك لأنه قل الحديث عنه على الرغم من أنه ظاهر للعيان، ونراه بصفة يومية ويتجدد معنا مع تبادل الليل والنهار، ونحن من ضحايا هذا الإرهاب كدول ومجتمعات وشعوب وأفراد، بل من أبرز ضحاياه والذي عشناه وعاشه آباؤنا منذ عقود من الزمن.
إننا مع الأسف ورغم تجدد المواثيق والحقوق الدولية للإنسان نعيش تحت هذا الإرهاب للإعلام الغربي كمتضررين، ويعيشه العالم العربي كشعوب تم تضليلها؛ فالإعلام الغربي ما زال يمارس تشويه صورة العرب والمسلمين وأنهم متخلفون وأنهم مشبعون بالجهل والإرهاب والعنف ويقدم ما وسعه من ذلك عبر نشرات وكالات الأنباء قديماً أو عبر الأفلام التي قدمت في دور السينما، أو الصور المغلوطة عبر القنوات الفضائية، ويجعل الصورة النمطية عن العرب وعن المسلمين مشبعة بالعنصرية والكراهية وأنه يكره اليهود والسامية ويريد أن يرميهم في البحر، وأنه يكره كل العالم، وأنه يحب العنف مع الجميع وحتى مع أقرب الناس إليه، وأولهم المرأة وهو يضطهدها ويقسو عليها وعلى الأطفال، وغير محب للحيوانات ويستلذ بتعذيبها وإيذائها.
والأخطر من ذلك حينما تقلب الحقائق رأساً على عقب ويجعل من الظالم مظلوماً والمظلوم ظالماً، وهذا ملحوظ منذ بداية قضية فلسطين ومزامنها في فترات سابقة، وكذلك كان الحال مع المستعمرين والمغتصبين للأرض والاقتصاد والسيادة في البلدان العربية والإسلامية المستعمرة.
وهذا الإرهاب الإعلامي والتشويه الممنهج يدخل في إطار حملات منظمة ومدروسة ولا تقف عند حدود زمان ولا مكان ولا موضوع فكل ما من شأنه ترسيخ الصورة النمطية السلبية في عالمنا العربي والإسلامي سيقومون به، ولقد كان العالم أجمع يعاني من هذا الإرهاب، إلا أن العالم الإسلامي وبعض الدول كالصين وروسيا من بين المتضررين في وقت مضى لاختلاف المصالح فقط؛ فالسيطرة على الإعلام بمختلف أجهزتها الكثيرة من وكالات أنباء وصحف ومجلات ومحطات تلفزة، وقد سخروا إمكاناتهم ونفوذهم الواسع في محاصرة العالم إعلامياً.
كانت إحدى أكاذيب هذا (الإعلام الإرهابي) الادعاء بحرية الإعلام لديهم، وأن هناك كبت لحرية الإعلام في بعض الدول النامية، ومنها بلدان العالم العربي والإسلامي، وهم أول من يخالف هذه الحرية المزعومة فحريتهم مقيدة، وإن قالوا بأنها مطلقة ولا يمكن في وسائل إعلامهم حتى يومنا هذا أن يخرج متحدث أو كاتب عبر أي وسيلة إعلامية ليتناول قضية فلسطين أو أي قضية من قضايا العالم الإسلامي؛ فأين حرية التعبير عن الرأي المزعومة؟! فأخبارهم وتقاريرهم وتحليلاتهم كلها تدخل في إطار أفكار عدائية مسبقة.
وحين ظهر الإعلام الجديد أو البديل ووسائط التواصل الاجتماعي سُر الناس لأنهم التمسوا فيه انعتاق من هيمنة الإعلام التقليدي، وأن هذا الإعلام سيكون صوت من لا صوت له، وكانت البدايات مشجعة وتباشر الناس بها ولا سيما أنها امتازت بسرعة الانتشار وعدم القيود، ولكن للأسف خاب الظن في هذه الوسائط والقائمين عليها، وظهر التحيز والإرهاب الإعلامي مطلاً مرة أخرى وبصورة قاهرة وظاهرة للعيان حينما تم حجب العديد من المقاطع التي سجلت بجهود فردية لتبيان وحشية العدو الصهيوني الإسرائيلي وجرائمه على الأهالي المستضعفين في فلسطين، وما قاموا به من إطلاق النار على المصلين المسالمين، وهدم المنازل على النساء والأطفال، ولقد قامت هذه المواقع بحجب المقاطع والصور وتعدى ذلك بإيقاف عدد من الحسابات في تويتر، واليوتيوب، والفيسبوك بحجة أن هذه المواقع تنشر الكراهية وبالتأكيد فهذا امتداد لـ «الإرهاب الإعلامي» ومساهمته في تزييف الحقائق وتأصيل المغالطات، وحجب صوت الحق وتقديم الضحية كوحش والقاتل في صورة البريء.
لقد كان الإعلام ولا يزال بقديمه وحديثه أداة ووسيلة في توجيه السياسة والدبلوماسية والاقتصاد والتأثير في الرأي العام، بل أصبح أداة من أدوات الضغط والتحكم على الدول في ميدان غير متكافئ، والإعلام لا يزال رهين وحبيس قوى سياسية وأيدلوجيه، ولم يتحرر من رواسب الماضي ويقوم على خدمة أهداف وأجندات محددة ومصالح تخص أطراف ثابتة، وليت الأمر يقف على هذا فحسب بل تعداه إلى إثارة النعرات، وبث دواعي الفرقة والنزاع والشقاق بين الأشقاء امتداداً للنظرية الإنجليزية (فرق تسد) مهما تشدقوا باسم حقوق الإنسان، والحوار؛ فالإعلام ليس متحيزا فقط، بل يمارس حرباً ضروساً وممنهجاً على دول وقضايا معينة، ووظفوا خبراتهم وقدراتهم في هذا المجال.
وإذا كان هذا هو حال الإعلام والإرهاب الإعلامي فإن مما يؤرق أن ينجرف بعض أبناء العرب والمسلمين وينساقوا خلف هذا الإرهاب الإعلامي ويكونوا إحدى أدواته في ترسيخ الصورة السلبية عن بلادهم ومجتمعهم، بترديد مقولات الغرب عن مجتمعاتنا وقضايانا، والمساهمة في إثارة النعرات بدلاً من المساهمة في التصدي للحملات.