الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تخصص في دراسته الجامعية بالعلوم الشرعية، وشغف بالعلم والعلماء ومجالستهم والتتلمذ عليهم، ووجد في رسالة الوقف نموذجاً خالداً يجمع فيه دور التنمية والاستدامة، وتحقيق المصالح الشرعية العامة والخاصة، والعمق الإنساني والأثر الاجتماعي الممتد، إلى جانب معالجة اقتصادية تضمن الاستمرارية والنمو والكفاءة.
الشيخ راجس بن أحمد الدوسري رئيس أول جمعية متخصصة بالأوقاف «دعم الأوقاف» في حديثه لـ»الجزيرة».. يقول انشغلت بالوقف والاهتمام والعناية به عن غيره ومنحته وقتي واهتمامي في فهمه والدعوة إليه والتعريف به ومساعدة الواقفين للوصول إلى أهدافهم، وتمكين الأوقاف المتعثرة من تحقيق رسالتها وتعظيم أثرها، ومن خلال تأسيس العديد من المبادرات لتحفيز الواقفين كتأسيس لجان الأوقاف في الغرف التجارية في مختلف مناطق المملكة التي كان لها الأثر الكبير في خدمة الأوقاف، وعضوية اللجنة الوطنية للأوقاف في مجلس الغرف، إضافة إلى تأسيس مراكز متخصصة لخدمة الوقف والواقفين وتنظيم المناسبات والفعاليات العلمية والتعريفية لإشهار رسالة الوقف وتحقيق أغراضه، والمشاركة في تأسيس مركز الأوقاف في غرفة الرياض والإشراف عليه.
نترككم مع الحوار الثر مع الخبير الوقفي الشيخ راجس الدوسري الذي تناول العديد من الموضوعات والقضايا الوقفية، وفيما يلي نص الحوار:
** مضى عام على تأسيس أول جمعية أهلية تخصصية في مجال الأوقاف بالرياض، ماذا عملتم حتى الآن؟
- لقد حظيت الجمعية بمباركة وعضوية نخب المفكرين والاقتصاديين والعلماء وخبراء التنمية، حيث وصل العدد في جمعيتها العمومية إلى 200 شخصية مؤمنة برسالتها وفكرتها وهم نخب العاملين في الأوقاف ومن رجال الأعمال الواقفين والمتشجعين لرسالة الوقف ومن قيادات المراكز الوقفية ومؤسسيها، وخلال الفترة الماضية ركزنا على بناء الإستراتيجية بأن تكون عملية وأن تخصص في مجال نوعي نعرف أن فيه عجزاً كبيراً وهو المجال المالي، فاحتجنا الكثير من الوقت لتحديد التحديات والوقوف على الفرص لتحسين التجربة المالية في القطاع الوقفي من حيث الحوكمة والاستثمار والتمويل، وقد نفذت الجمعية عددًا من المبادرات النوعية في مجال التوعية بالأوقاف ونشر ثقافة الوقف والرحلات الوقفية، ولديها شراكات نوعية كشراكتها مع مركز أوقاف العنود والتي تهدف لتفعيل رسالة وأدوار الوقف، مما نتج عن ذلك العديد من المبادرات الناجحة، كما قام فريق عمل الجمعية بإعداد ونشر تقارير نوعية كتقرير ملاحظات خبراء القطاع الوقفي على لائحتي أعمال النظارة والحوكمة والذي انتشر وتفاعل معه القراء وكان له صدى كبير قدّرته الهيئة العامة للأوقاف فحصلت الجمعية على شكرٍ جميل لقاء ذلك من سعادة محافظ الهيئة العامة للأوقاف الأستاذ عماد الخراشي، الذي كان متحمساً ومحفزاً للجمعية من لحظة إطلاقها.
** متى تتوقع انتعاش الاقتصاد الوقفي سريعاً، بعد تسجيله نمواً ضعيفاً؟
- يئن القطاع الوقفي من ضعف الممكنات وضعف إلمام بعض الجهات التنظيمية والإشرافية لأدوار القطاع واحتياجاته، ولذلك لا يصح مطالبته بأدوار أو مسؤوليات قبل أن نتعرف على واقع بيئته وحجم الاستثمار التنظيمي والتطويري فيه رغم أهميته، إلا أن العثور على المعلومة فيه يكاد يكون معجزاً للأسف فضلاً عما هو أكبر، وقد أختلف معك في مسألة ضعف نمو القطاع الوقفي، فهو نامٍ ويتعاظم ومزدهر جدًا؛ فالكثير من الواقفين الجدد ممن يؤسسون أوقافهم لديهم تحديات حقيقية فضلاً عن ضعف الممكنات والمحفزات، فمتى ما صنعنا المنظومة الكاملة للوقف ومكنا لها فلا أعتقد أن هناك قطاعًا سينافسه، فالوقف غاية المحسنين وأمنية الصالحين وبصمة المصلحين وبناة الأوطان يتسابق له الحاكم والمحكوم الفرد والتاجر، لكننا عندما نتساءل عن ماذا بعد فسنجد أننا نحتاج للكثير، وعندما أقول أني أختلف معك فكلنا يعلم أن هناك الكثير من الأوقاف في قطاع الصناعة والزراعة، وفي قطاع التعليم على مستوى التعليم العام والجامعي، وفي قطاع الإسكان، وفي العديد من المجالات، وقد لا يتشجع الواقفون لإشهار وقفيتهم حيث لا يوجد تحفيز لذلك، وهذا سبب، والسبب الآخر أنه لا توجد مؤشرات مهنية تستطيع أن تعكس حجم هذا القطاع وتنوّعه، فالأوقاف المسجلة في سجلات المحاكم متنوعة، من أوقاف أهلية وأخرى ذريّة وأوقاف لجمعيات خيرية ولمؤسسات ملكية ولجهات رسمية لم نسمع يوماً عن أرقام رسمية تعكس حجمها مع أننا جميعاً نعرفها، وبالتالي فإننا عندما نقول إن القطاع ضعيف النمو أعتقد أننا نحتاج أن نراجع ذلك كثيراً.
** السعي في تنمية ثقافة الوقف حق للأجيال القادمة، ترى لماذا المؤسسات الوقفية مقصرة في ذلك؟ وهل هي مسؤولية الموسسات الوقفية؟
- أعتقد أن المؤسسات الوقفية الخاصة بذلت جهداً رائعاً في ذلك فلهم ملتقياتهم ومؤتمراتهم ومؤلفاتهم وتقاريرهم والكثير الكثير من الجهد، حيث لدينا ما يقارب العشرين مركزاً وقفياً لديهم إصدارات وفعاليات ودورات ومنتديات لنشر ثقافة الوقف، ولدينا قرابة الثماني عشرة لجنة أوقاف في الغرف التجارية لديها تقارير وإصدارات اقتصادية وأدلة إرشادية وديوانيات ثقافية ومؤتمرات دولية وملتقيات محلية ورحلات تثقيفية كثيرة وموثقة، وأعتقد أن الجهات التنظيمية والإشرافية لا تزال بحاجة إلى الحضور المنهجي في تفعيل رسالتها في التعريف بالوقف والدعوة إليه ومساعدة الواقفين، فحضور مؤسسة الوقف في مناهج التعليم محدود وحضوره في خطب الجمع اجتهادي وحضوره في برامج الإعلام الرسمية إلى الآن لا يوازي أهميته ولا حجمه، فنحن نحمد للجهات الرسمية أنها تمنح المتبرع بالدم أوسمة عليا وحوافز وجوائز، وإن هذا مستحق مشاهد، بينما لو وقف أحدهم ملياراً لله يسهم في تنمية البلد فإنه لا يكاد يسمع شكراً فضلاً عن غياب الرؤية في رحلة العميل، وأعتقد أننا نحتاج إلى مسؤولية وجهد أكبر في الاحتفاء والتشجيع للواقفين وهو حقٌ ليس له محامٍ، علماً بأن انعكاس ذلك على المجتمع وعلى الناتج المحلي للمملكة وعلى ذوي الاحتياجات كبير.
** برأيكم، لماذا لا يوجد إحصائية دقيقة عن الأوقاف في المملكة العربية السعودية؟
- لم يسبق أن صدر عن الأجهزة الرسمية أي إحصائية تعكس الأرقام الكبيرة في قطاع الأوقاف الأهلي، وتكاد تنحصر المعلومات في إعلان الأرقام للأوقاف القديمة والتي تقوم عليها الأجهزة الرسمية، بينما لا يخفى أن الأرقام في الأوقاف الذريّة والأهلية وأوقاف الجمعيات وبعض الجهات الرسمية كبير ومشجّع، فلو قدرنا مثلاً أوقاف الجمعيات فلدينا قرابة 5000 جمعية مرخصّة منها ما لا يقل عن 1500 جمعية لديهم أوقاف، وقد كان من أبرز توصيات المؤتمر الإسلامي للأوقاف المنعقد هذا الشهر بمكة دعوة الجهات الإشرافية والتنظيمية في الدول الإسلامية إلى تأسيس المراكز الإعلامية والتي تقدم المعلومة والأرقام بصورة تعكس الواقع الحقيقي أو التقريبي للأوقاف، وأعتقد أن توصية المؤتمر الإسلامي للأوقاف بضرورة بناء مؤشر لازدهار الأوقاف على غرار مؤشرات ازدهار المدن سيجعل المعلومات أكثر حضوراً وتنوعاً على مستوى حجم الأوقاف الاقتصادية وعلى مستوى تأثيرها في الناتج المحلي وعلى مستوى أدوارها في مختلف قطاعات التنمية.
** ذكرتم سابقاً أن الوقف سطر أفضل النماذج العالمية في أفضل الشركات الوقفية، والعلامات التجارية وقفية، أفضل الجامعات وقفية، وأفضل المستشفيات وقفية فأين ذلك الآن؟
- نعم، تتسابق الدول إلى تنظيم الأوقاف بنظام الوقف الإسلامي نفسه أو بأنظمة قريبة منها كالـ Trust والـEndowment، وقد نشرنا تقارير جيدة عن ذلك في كتابنا (مؤسسات وقفية رائدة)، كما أن في وطننا الكثير من الجامعات والمصانع والمزارع والحصص في المؤسسات المالية والبنوك هي أوقاف، لكن غياب المعلومة وعجز جهات الإحصاء والتنظيم عن حصر الكثير من الأوقاف الموثقة وعجزهم عن إقناع الواقفين بتسجيل أوقافهم ضمن مسارات التنمية الرسمية بتوفير بيئة جاذبة يحول دون انتظام هذا الكم الهائل في واقع التنمية، وإلا فالوقف هو النفط الأبيض لمن يعرف قيمته، وأعرف أن في المملكة الكثير من الأوقاف الصحية والتعليمية والسكنية، وأوقاف خدمة ضيوف الرحمن وأوقاف لخدمة الشباب، وأوقاف للقرض الحسن وجامعات وقفية عريقة، والكثير الكثير من الصيغ التنموية المتنوعة لم تحظ بمؤشرات توضح ازدهار الصناعة الوقفية فأصبح بعض مثقفينا وإعلاميينا يتحدثون عن تجارب الشرق والغرب بينما لدينا الأجمل والأكثر إبهاراً، وعندما بدأنا إعداد كتابنا (مؤسسات وقفية رائدة) جمعنا التجارب الغربية في شهر بينما احتجنا لقرابة السنة لتقديم الثلث مما يوازيها كتجارب محلية، والسبب في ذلك أن تعزيز ثقافة التوثيق والنشر ليس لها منظومة ممكنة، وأعتقد أن الجهات المشرفة أمامها الكثير في ذلك، وأنا هنا أدعو معالي وزير الثقافة لتبني ذلك وتنظيمه.
** ما أبرز التحديات التي تواجه قطاع الأوقاف الصغيرة، وما السبل الكفيلة لانتشالها؟
- تحدي التمويل والاستثمار هو أهمها، فجهات التمويل لم توجد لها حلول وبدائل تحدي غياب المهن التخصصية الملائمة لاحتياجها، فهي تتأثر بعدم مهنة القطاع، فالأوقاف الكبيرة لا تجد غضاضة في استقطاب الكفاءات النوعية بينما الأوقاف الصغيرة يصعب عليها تأمين مختصين يجمعون بين جدارات قانونية واستثمارية وتنموية، ولا تحتمل هذه الأوقاف الصرف على كفاءات عالية تحدي غياب حلول الصناديق القادرة على انتظام المتعثر منها والمتعطل لتطويره والنهوض به، وأعتقد أن ذلك تأخر كثيراً، وأدعو الجهات التنظيمية والإشرافية إلى سرعة العناية به فهو يحتاج إلى الجهود الرسمية أكثر من الاجتهادات الفردية، تحدي بيروقراطية رحلة العميل في إصدار الرأي الشرعي لنقل الوقف تحدي عدم اهتمام وتفعيل الجهات المشرفة للأبحاث والدراسات في هذا المجال مع أن الحاجة ماسة، وأعتقد أن الأبحاث الموجودة غالبها نظري ولا ترتقي لمستوى الحاجة، وقد نحتاج إلى منهجيات ترفع مستوى المخرجات للتطبيق والاختبار لا أن نكتفي بالرضا النفسي للباحث وحصوله على الدرجة العلمية دون أن يكون لبحثه قيمة حقيقة تؤثر في الوقف.
** ألا ترون أن فرض الرسوم على أرض الأوقاف سيؤثر على تنمية الأوقاف لتحقيق النفع العام؟
- بالتأكيد لا، وهذا مما قد يتوهمه من لا يعرف الوقف أو يفهم في تنظيماته أو فقهه أو في مصلحة المجتمع منه، وأما من حيث التنمية واستثمار قيمة الوقف فإن فرض الرسوم سيؤول على الفور لإحجام الناس عن الوقف كما أنه سيأكل بعض الأوقاف المتعثرة والمتعطلة وسيجعلها مديونة وهي غير ممكنة من التنمية والاستثمار فيتوهم بعض صنّاع القرار أن ذلك سيحفّز الناظر لاستثمار الوقف بينما الوقف ليس له أي ممكن للتمويل والاستثمار، كما أسلفنا في سؤال سابق والنتيجة أن الأوقاف ستصبح مديونة ومثقلة بالغرامات إضافة لانعدام الحلول وستجعل صاحب القرار أمام مسؤولية وحرج كبير، وأعتقد أن الحديث عن أي صورة من صور المحاسبة قبل التأكد من بناء ممكنات هو تصرف ضار بالوقف وسنخسر ممكناً وطنياً كبيراً، كما أن الناس ستستمر في الوقف، وقد تجد ضالتها خارج المملكة فنصل لهجرة الأموال وخسارة المكتسبات، ولهذا أدعو من يطرحون مثل هذا إلى التعمق في فهم واقع الأوقاف وأن ذلك سيجعلهم أكثر قدرة على طرح أفكار عملية.