خالد بن حمد المالك
يزعم الإخوانيون أن ما جرى في تونس يندرج ضمن التصنيف على أنه انقلاب، ويحاولون أن يروجوا لهذا الاتهام لهدف في نفوسهم، معتمدين على الأبواق الإعلامية الموغلة في الدفاع عن تنظيم الإخوان المسلمين، والترويج لأجنداتهم؛ وقد رأيناهم هكذا مع إخوان مصر وليبيا، والآن مع إخوان تونس، حيث تمثلهم حركة النهضة.
* *
لحسن حظ الشعب التونسي، أن ما سُمي انقلاباً -وهو بنظره ليس كذلك- جاء لإصلاح ما أفسده تنظيم الإخوان المسلمين، ولتنظيم الحياة السياسية، وفقاً لسيادة القانون، وليس لسيادة حزب أو فئة نافذة من المسؤولين، وأن تصرُّف الرئيس التونسي جاء منسجماً ومتناغماً مع ما كان ينتظره ويتطلع إليه المواطنون.
* *
المؤسف أن تكثر الأصوات، وتتعدد التدخلات من جهات خارجية في شأن يخص التونسيين دون غيرهم، كونه شأنًا داخلياً، لا علاقة لغير التونسيين به، ولا يجوز أن تكون هناك تدخلات ومواقف تمس بالضرر مصالحهم، أمنياً، واقتصادياً، وسياسياً.
* *
على أن القيادة التونسية مدعومة من الشعب، ومن قيادة الجيش، ومن القيادات الأمنية، وكثير من الأحزاب والتنظيمات هي من يقرر الاتجاه المستقبلي الصحيح للسياسة التونسية، خاصة وتونس لديها تجربة ثرية في أداء المؤسسات وممارساتها الديمقراطية.
* *
وكل ما يقال خلاف ما أعلنت عنه الرئاسة التونسية، وصدر عن قصر قرطاج، هو من باب المحاولة للتأثير على الشارع بعد أن فشلت القوى المخالفة في تعبئته للقيام بمظاهرات احتجاجية، وممارسات سلبية، والمؤكد أن ما صدر من قرارات سوف يتحقق الالتزام بها، وحمايتها، وتطبيقها بقوة القانون.
* *
وقد تفرز قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد عن اكتشاف أوكار الفساد، والتمويل الخارجي المشبوه لبعض التنظيمات، بل ومن قتل بعض الناشطين، وقد تكشف المزيد من المعلومات والمخططات المشبوهة التي كانت مؤجلة لأخذ تونس نحو نظام ينسجم مع تنظيم الإخوان المسلمين بمرشدهم، وتعليماتهم، وأساليبهم في قيادة الدولة.
* *
هناك -ولا شك- مطامع لحركة النهضة، ونشاطات واضحة تقوم بها، وتنسيق مع قوى خارجية من الإخوان المسلمين، وفق تنظيم تم رصده، وسارع الرئيس التونسي إلى أخذ زمام المبادرة لإخماد ما كان الغنوشي وزمرته يبيتونه لتونس، وهو ما فاجأ تركيا قبل غيرها، حيث صدر عنها أول بيان استنكاري لما حدث، ومن دون أي تحفظ.
* *
ولم يكن إسراع تركيا إلى الإعلان عن موقفها مثار استغراب لمن يعرف أن مظلة الإخوان المسلمين، ومصدر نشاطهم، هي تركيا، وفيها تتوفر لهم الملاذات الآمنة، ومنها يتم التنسيق بينهم، والعمل وفق ما يلبي ويحقق أهداف التنظيم في إقامة دول تقوم على أساس الإسلام السياسي.
* *
وعلينا أن ننتظر المزيد من الوقت القادم، وسوف نرى كم كان الغنوشي وحزبه يخططون لجر تونس إلى الفتنة والضياع، وخلق أجواء من الفوضى، وربما الحرب الأهلية، وإفقار الشعب، وجعل تونس دولة فاشلة؛ إذ إن ما يهم الإخوان المسلمين أن تكون السلطة بأيدي التنظيم، حتى ولو كان ذلك على حساب رقاب الشعب، وجعل البلاد رهينة في قبضة القوى الخارجية.
* *
وكل مَن يطالب باحترام الدستور، والمحافظة على حرية التعبير، والديمقراطية، وحقوق الإنسان، والعودة السريعة إلى دولة المؤسسات، هي مطالب مشروعة، وقد أكد الرئيس التونسي على تمكسه بها، وأنه في غضون شهر من الآن ستكون كل هذه المطالب قد استكمل تحقيقها، مع أن هذه المطالب كانت حركة النهضة، ومعها رئيس الحكومة المعزول، قد غيَّبتها بفعل ممارسات رئيس مجلس النواب رئيس حركة النهضة ورئيس الحكومة، ما جعل الرئيس يقدم على ما أقدم عليه.
* *
ولعل في الإعلان الرسمي الذي يتهم فيه 460 شخصاً سرقوا من المال العام بما يقدر بخمسة مليارات دولار تقريباً، وأن ثلاثة أحزاب تتلقى دعماً مالياً من دول خارجية وبينها حركة النهضة، فضلاً عن امتناع الكثيرين عن دفع الضرائب، والحصول على قروض من البنوك وعدم تسديدها، وأن كل هذه التهم ستكون أمام تسويات قانونية، يظهر حجم الفساد المستشري في البلاد، وأن تونس كانت تتجه إلى ما هو أسوأ، ما دعا بالرئيس التونسي قيس إلى أخذ هذا الموقف الشجاع لمعالجة هذا الضياع.