عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
في 30 يناير 2011 ، وطئت قدما راشد الغنوشي أرض تونس بعد أن كان قد قضى 20 سنة في المنفى. وقد كانت هذه العودة بعد أسبوعين فقط من سقوط الرئيس بن علي رمزاً للانبعاث الجديد للحزب الإسلامي.
وتعاقبت تسع حكومات على السلطة في تونس منذ 2011 . وأفرزت الانتخابات البرلمانية، العام الماضي، مشهداً سياسياً معقّداً، حال دون إتاحة الفرصة لأغلبية واضحة للحكم.
كما ساهم الخطاب الإعلامي المهيمن والمنحاز لهم في تعزيز صورتهم كضحية.
وسعت حركة النهضة إلى التغلغل في مفاصل الدولة ومؤسساتها، وانتهاج مسار لإجهاض الانتقال الديمقراطي، والسطو المُمنهج على البرلمان والمؤسسات المستقلة، والقوانين التقديمية، وحريات الصحفيين، وهذا جعل الحكومات المتعاقبة التي كانت تُهيمن عليها حركة النهضة لم تبدأ بالإصلاحات الهيكلية والعميقة التي تحتاجها تونس اليوم، وهذا خلّف أزمة اقتصادية خانقة جداً، وأدى لتعطيل المحكمة الدستورية، وبالتالي فالنهضة والحكومات المتعاقبة هم المسؤولون عن الوضع الذي وصلنا إليه اليوم في تونس.
تسلّح أنصار حركة النهضة بالشرعية التي منحتها لهم انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2011 ، ودخلوا في حرب ضروس مع من يخالفهم الرأي والانتماء، إذ رأوا في ذلك رفضاً لحكم الصندوق. وهكذا بات معارضون تاريخيون لحكم بن علي محسوبين على الثورة المضادة -لا سيما المحامين الذين كانوا يدافعون عن الإسلاميين أيام الدكتاتورية-، وذلك لمجرد عدم مساندتهم لسياسة حركة النهضة وجماعة الإخوان المسلمين.
بعد عقد من فوزها الانتخابي الأول، يبدو أن حركة النهضة تواجه صعوبات للمحافظة على مكانتها على الساحة السياسية.
حركة النهضة مارست العديد من الجرائم والأعمال الإجرامية لتكميم الأفواه في تونس، عبر تمرير قوانين مُجحفة بحق الصحافيين وغيرهم، وهناك تهديدات كبيرة بشأن مكتسبات وحقوق طبقات المجتمع، وتتحمل حركة النهضة المسؤولية الأكبر عما آلت إليه الأوضاع، لأنها بمثابة الحزب الحاكم الذي سيطر على مختلف الحكومات والمؤسسات».
جماعة الإخوان الإرهابية، وحركة النهضة متهمة من قبل الشارع التونسي بالضلوع والتورط في الوضع المأساوي الذي يشهده تونس، وهناك العديد من الانتقادات اللاذعة إلى حركة النهضة الإخوانية، وحملتها مسئولية الانهيار الذي تعيشه تونس على كافة المستويات.
وبعد سنوات من التقشف، جاءت أزمة وباء كورونا لتزيد من أعباء الاقتصاد التونسي، وتجاوزت نسبة البطالة 18 % خلال الثلاثي الثاني من العام الجاري، قبل أن تتراجع إلى 16.2 %، الشهر الماضي.
ولا تبدو الحكومة قادرة على احتواء التوتر الاجتماعي، يخضع المواطن إلى «مساهمات اجتماعية» بدت مؤقتة قبل أن تصبح شبه ثابتة.
وأدى توزيع اللقاحات بشكل فوضوي خلال عطلة عيد الأضحى إلى زيادة استياء الناس من الحكومة، التي تخوض صراعاً سياسياً مع الرئيس قيس سعيد.
تظاهر الآلاف من التونسيين في ساحة باردو في العاصمة تونس، الأحد، للمطالبة برحيل الحكومة وحل البرلمان قبل تطورها إلى اشتباكات مع قوات الأمن.
وتظاهر آلاف التونسيين في عدة مدن، الأحد، احتجاجاً على حزب النهضة الحاكم، منتقدين ما وصفوه بإخفاقات الحكومة وسط معدلات انتشار كبيرة لفيروس كورونا.
وازدادت الأجواء سخونة عندما حاول المحتجون اختراق الحواجز، والدخول في مناوشات مع قوات الأمن ورشقها بالحجارة وقوارير المياه.
في سياق متصل، هاجم متظاهرون عدداً من مقار حركة النهضة الإسلامية في بعض المدن التونسية.
وبموجب الفصل 80 من الدستور التونسي، اتخذ الرئيس قيس سعيد، قرارات بتجميد كل سلطات مجلس النواب ورفع الحصانة عن كل أعضاء البرلمان وإعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي من منصبه.
أعلن الرئيس التونسي، قيس بن سعيد، عن 4 قرارات تأتي وسط خروج تونسيين في مظاهرات ضد الحكومة مطالبة بإسقاطها.
ونشرت الرئاسة التونسية بياناً على صفحتها الرسمية بفيسبوك، قالت فيه: «بعد استشارة كلّ من رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، وعملاً بالفصل 80 من الدستور، اتخذ رئيس الجمهورية قيس سعيّد، اليوم 25 يوليو 2021 ، القرارات التالية حفظاً لكيان الوطن وأمن البلاد واستقل:
1 - إعفاء رئيس الحكومة السيد هشام المشيشي.
2 - تجميد عمل واختصاصات المجلس النيابي لمدّة 30 يوماً.
3 - رفع الحصانة البرلمانية عن كلّ أعضاء مجلس نواب الشعب.
4 - تولي رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة ويعيّنه رئيس الجمهورية.
وأضافت: «هذا، وسيصدر في الساعات القادمة أمر يُنظّم هذه التدابير الاستثنائية التي حتمتها الظروف والتي سترفع بزوال أسبابها..
وتدعو رئاسة الجمهورية بهذه المناسبة الشعب التونسي إلى الانتباه وعدم الانزلاق وراء دعاة الفوضى».
كما أكد الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال ترؤسه اجتماعاً طارئاً للقيادات العسكرية والأمنية بقصر قرطاج أنه اضطر إلى اتخاذ إجراءات استثنائية تتمثّل في تجميد كل اختصاصات المجلس النيابي ورفع الحصانة عن كل أعضاء المجلس النيابي وإعفاء رئيس الحكومة، واعتبر أنّ قراراته ليست تعليقاً للدستور أو خروجاً عن الشرعية.
وقال سعيد في بيان نقلته وسائل الإعلام الحكومية: «كثير من الناس انخدعوا بالنفاق والغدر وسلب حقوق الناس»، وذلك في إشارة إلى حزب النهضة.
وتعهد الرئيس سعيد بالرد على مزيد من العنف بالقوة العسكرية.
وأضاف: «إنني أحذر كل من يفكر في اللجوء إلى السلاح.. ومن يطلق رصاصة، سترد عليه القوات المسلحة بالرصاص».
وقال الرئيس سعيد في بيانه إن «أفعاله تتماشى مع الدستور». وإن الدستور يسمح له بتعليق عمل البرلمان إذا كان هناك «خطر وشيك».
وأضاف: «اتخذنا هذه القرارات.. حتى يعود السلام الاجتماعي إلى تونس وحتى ننقذ الدولة».
وانخرط سعيد في خلافات سياسية مع رئيس الوزراء هشام المشيشي لأكثر من عام، في بلد يعاني من أزمة اقتصادية وأزمة مالية طاحنة تلوح في الأفق، وأداء فاشل في مواجهة وباء كورونا.
وتأتي هذه التطورات تزامناً مع احتفال البلاد بعيد الجمهورية (25 يوليو/ تموز)، وسط حالة متصاعدة من الاستقطاب بين القوى السياسية.
واتسعت رقعة انتشار الاحتجاجات والتحرّكات الاجتماعية في مناطق متفرّقة من البلاد، وإن بدت محدودة، إلى حدّ الآن، من حيث أعداد المشاركين، على الأقلّ، لكن المطالب لا تزال قائمة ومعظمها شعارات رُفعت، قبل عشر سنوات، دون أن تجد تجاوباً.
وفي وقت متأخر من مساء الأحد، تدفق تونسيون إلى الشوارع احتفالاً بقرارات الرئيس.
وانضم الرئيس التونسي إلى حشد من الناس في الشارع بوسط تونس العاصمة، في ساعة مبكرة من صباح الاثنين، ليشاركهم الاحتفال حسبما أظهرت لقطات للتلفزيون الحكومي ووسائل الإعلام العالمية المختلفة.
وشهدت معظم مناطق ولاية نابل احتفالات بإطلاق الشماريخ وخروج سيارات للتعبير عن الفرح بقرارات رئيس الجمهورية حول تجميد البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه.
يذكر أن الجيش التونسي منع راشد الغنوشي وعدداً من النواب من دخول مبنى البرلمان، في ساعة مبكرة من صباح الاثنين، بعد قرار الرئيس قيس سعيد تجميد عمل مجلس النواب.
وحاول النواب إقناع القوة بإفساح الطريق، لكن الرد جاءهم صارماً بأن «التعليمات أن مجلس النواب مغلق».
وكان الغنوشي، رئيس البرلمان المجمد، قد اعتبر أن قرارات سعيد «انقلاباً على الدستور»، وقال إن «العمل سيستمر في المؤسسات التونسية».
كما نقل موقع حركة النهضة التي يتزعمها الغنوشي، على حسابها بموقع «تويتر» تصريحات له بأن «أنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة».
ودعا الغنوشي التونسيين إلى النزول إلى الشوارع لـ»إعادة الأمور إلى نصابها» على حد تعبيره.
ووصفت حركة النهضة التونسية المتظاهرين الذين خرجوا ضدها في أماكن متفرقة بـ»العصابات الإجرامية والإرهابية».
وكان سعيد قرر تجميد كل سلطات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، كما قرر إقالة حكومة هشام المشيشي وتشكيل حكومة يعين رئيسها.
وخلال اجتماع طارئ للقيادات الأمنية والعسكرية مساء الأحد، قال سعيد إن «قراراته تأتي عملاً بأحكام الدستور، وهدفها إنقاذ تونس والحيلولة دون العبث بالأرواح ومقدرات الدولة».
ووجه الرئيس التونسي السابق، منصف المرزوقي، فجر الاثنين، رسالة إلى الشعب التونسي واصفاً ما وقع الليلة الماضية بعد قرارات أصدرها الرئيس قيس بن سعيد بأنه «انقلاب».
اقتحم الأمن التونسي مبنى مكتب قناة الجزيرة الفضائية، بالتزامن مع قرارات أعلنها الرئيس التونسي قيس سعيد بتجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة.