د. محمد بن صقر
إن مفهوم الاستحواذ ليس بالمفهوم الحديث في عالم التجارة أو عالم الأعمال الاقتصادية، بل هو أحد الاستراتيجيات التكتيكية في التحكم بالرياح والأمواج الاقتصادية التي قد تؤثر بالحصص السوقية في عالمنا اليوم، فنحن نسمع كثيراً باستحواذ شركات كبرى على شركات ناشئة، حيث لعبت الشركات العملاقة الدور الأكبر في هذه الصفقات، وكان أبرزها قيام فيسبوك بثلاث صفقات رئيسية، إذ اشترت أنستقرام مقابل مليار دولار، وواتساب بقيمة 19 مليار دولار، وأوكيولوس في آر بملياري دولار، كما قامت شركة الاتصالات فيريزون الأمريكية، باستحواذ وشراء حصة في شركة فودافون تبلغ 45% قيمتها 127.8 مليار دولار.
وأيضاً شهد قطاع الأدوية شراء آبفي الأمريكية شركة أليرجان البولندية مقابل 84.1 مليار دولار، وبغض النظر عن القيمة والمبالغ التي تم فيه عقد الصفقات والذي ليس موضوع حديثنا في هذ المقال، بقدر التعرف على الأسباب التي أدت الى ذلك الاستحواذ، وإسقاطها على مضمون حديثنا، والذي جعل الشركات الكبرى تحاول أن تستحوذ على شركات ناشئة، وأخذ كثير من حصة السوق لديهم، ففي لقاء في وول ستريت جورنال، قال «مارك لور» إن «وولمارت» تستهدف توظيف قادة الشركات الناشئة الواعدة، بهدف إدارة أقسام كاملة في شركتها الضخمة، ولا تستهدف فقط شراء شركاتهم والاستمرار في قيادتها.
هذه السياسة التي تبنتها الشركات العملاقة، والتي أصبحت أحد استراتيجياتها لتتربع على القمة لسنوات طويلة، وتقضي على فكرة المنافسة من أي منتج جديد أو منافس قد يكون لديه فكرة الدخول للسوق من أجل أخذ حصة سوقية قائمة, ولكن فكرة الاستحواذ أحياناً لديها أهداف أخرى غير القضاء على المنافسة، وهي التحكم بالأفكار الجديدة وتوظيفها وتبنيها لصالح الشركة المستحوذة، وخلق ولاءات وانتماءات طويلة الأمد، كذلك الدخول إلى سوق جديد وأيضاً الاستمرار في الابتكار والتطوير والسيطرة على السوق بشكل كامل، هذا من جانب الاستحواذ الاقتصادي، ولكن من الجانب السياسي والشجرة ذات العروق في الأرض والتي تؤمن بمقولة إن السياسة تلحق بالاقتصاد، فنجد أن فكرة الاستحواذ ليس فقط دخولها في جانب السوق المحلي، بل لا بد أن تدخل في المناطق الأقل حظاً اقتصادياً، وتنعشه أو تنتقل إلى تلك الدول التي تحاول أن تستقطب رؤوس الأموال، لتقوم ببناء بنيتها التحتية أو تستثمر في منتجات أخرى، وكنتيجة لذلك نجد أن التحكم بالسوق في المجال الاقتصادي من قبل تلك الشركات سيصل إلى المشاركة بالقرارات السياسية، وهذا ما تقوم به حالياً روسيا والصين في أفريقيا, فنجد أن روسيا تنقب عن البوكسيت في غينيا، وتبرم صفقات لاستخراج الألماس في أنغولا، وتحصل على موافقات لاستخراج الغاز الصخري من موزمبيق. وكذلك نجد أيضاً أن شركة الطاقة الروسية «لوكويل» دشنت مشروعات في الكاميرون وغانا ونيجيريا، كذلك نجد أن مقاولي البناء والهندسة الصينيين، كما بيَّن تشانغ الباحث في كلية «ستشار» للسياسة والحكومة بجامعة جورج ميسون في وست فرجينيا في دراسة حديثة: «حققوا مكانة مهيمنة في السوق الأفريقية، حيث إنه بين عامي 2000 و2020، فازت نحو 250 شركة صينية بعقود رئيسة للبنك الدولي في أفريقيا».
واستحوذت الشركات الصينية على 27.9 في المئة من إجمالي قيمة عقود بنك التنمية الأفريقي خلال الفترة ذاتها.
إن هذا الاستحواذ أو الاستثمار أو التوسع، وإن كان له جوانب وفوائد اقتصادية، لكنه يعتبر أحد الأدوات والأوراق السياسية التي يجب على الدول العربية -وخاصة الخليجية- أن تعمل به خاصة، وإن لديها القوة الاقتصادية والخبرة المعرفية في إدارة مثل هذه الملفات، وأن تتوجه إلى أفريقيا، وهي أكثر الدول دراية بطبيعتها الديمغرافية والاقتصادية، وأيضاً أمريكا اللاتينية والدول الآسيوية والدول الأسكندنافية لبناء تكتل اقتصادي وسياسي واعد.