د. عبدالحق عزوزي
يلتقي وزراء المناخ والبيئة من 51 دولة في بريطانيا لإجراء محادثات مناخية «حاسمة»، تمهيداً لعقد قمة «كوب 26» في نوفمبر/ تشرين الثاني في غلاسكو. ورغم أن اتفاق باريس للمناخ التاريخي الذي عقد في سنة 2015 نص على ضرورة حصر الاحترار في درجتين مئويتين كحد أقصى، إلا أن كبار العلماء حذروا من أن مسار الأمور الحالي لا يسمح بتحقيق هذا المبتغى؛ وسيشارك وزراء البيئة والمناخ في الولايات المتحدة والهند والصين في الاجتماع المغلق؛ وهذا طبعاً يعد أول اجتماع وزاري حضوري منذ أكثر من 18 شهراً، لكنه سيشتمل أيضاً على مشاركات عبر الفيديو، بهدف جمع أكبر عدد ممكن من المشاركين.. وسيرأس وزير الدولة البريطاني للشؤون التجارية والطاقة والاستراتيجية الصناعية ألوك شارما الاجتماع، الذي صرح منذ أيام: «إننا نواجه أوقاتاً عصيبة بالنسبة إلى كوكبنا والطريقة الوحيدة التي سنحمي بها مستقبله هي أن تسير الدول على المسار نفسه».. مضيفاً «سيراقب العالم كي يرى ما إذا كنا سنجتمع في غلاسكو ونفعل ما هو ضروري لتغيير الأمور في هذا العقد الحاسم».
وستجري البلدان التي تطلق كميات كبيرة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مثل الصين والولايات المتحدة، خلال هذا اللقاء، مناقشات مع الدول الأكثر عرضة للاحترار المناخي مثل جامايكا وكوستاريكا ورواندا وجزر مارشال.
للأسف الشديد ورغم القمم والاجتماعات اللا متناهية، لم تنجح الأمم مجتمعة في وضع خريطة طريق صحيحة يتبناها الجميع في سبل تكيف البشرية مع تغير المناخ؛ فلم تتعلم بعد كيف تتعامل مع العواقب، وفي غياب هذا التكيف، سيكون تأثير الاحترار المناخي كارثياً في السنوات المقبلة..
هل يجب انطلاقاً من هذا الكلام التوقف عن عقد القمم وإطلاق المبادرات؟ لا. يجب الاستمرار في ذلك والقيام بكل المبادرات التي يمكنها أن تلزم العالم بأخذ التدابير في سبيل الحد من تغير المناخ الذي يحدث فعلياً ويتسبب في تدمير الحياة والاقتصاد. نحن في حاجة إلى التكيف مع مناخنا المتغير، وعلينا أن نفعل ذلك الآن..
ثم إنه مع قرار الرئيس الأمريكي بايدن إرجاع بلاده إلى اتفاقية باريس للمناخ التي تخلى عنها الرئيس دونالد ترامب وإعادة العمل بمجموعة كبيرة من القوانين البيئية التي أقرت في عهد الرئيس السابق باراك أوباما وتخلى عنها ترامب، وعرضه لقائمة أسماء الأعضاء الرئيسيين في فريقه المكلف بملف المناخ، ويقينه بأن مكافحة الاحتباس الحراري الذي يعد «تهديداً وجودياً» ستكون محوراً أساسياً في إدارته الساعية لإعادة بناء الاقتصاد الأمريكي المتضرر من جائحة كوفيد - 19، كل هذا يبعث آمالاً لإحياء المساعي الدولية لمعالجة التهديد الوجودي في عصرنا هو التغير المناخي.
كما أحيي هنا ما تميزت به النسخة الرابعة والسبعون من مهرجان كان السينمائي عن سابقاتها بوضعها البيئة وقضايا التغير المناخي في قائمة الأولويات، وهو ما لم تحظ بها في أي مهرجان عالمي آخر؛ فقد قررت إدارة المهرجان هذا العام إتاحة الفرصة أمام الأفلام التي تعنى بقضايا التغير والتنوع البيئي والحفاظ على الأنواع المختلفة للعرض والمشاركة في جميع مسابقات المهرجان؛ كما كان المتتبعون في موعد مع مؤتمر صحفي كبير جمع العديد من المخرجين والمنتجين والمصورين الذين شاركت أفلامهم عن البيئة في هذه النسخة. كما قرر المهرجان المشاركة في الحفاظ على البيئة عبر تخفيض البصمة الكربونية ومعالجة النفايات في مدينة كان الفرنسية وليس فقط المهرجان، حتى تكون المدينة وجهة نظيفة بيئياً على حد قول المفوض العام لمهرجان كان السينمائي.
ومن الأفلام المعروضة في مهرجان كان، هناك فيلم «حيوان» للفرنسي سيريل ديون الذي أشرك فيه أجيالاً جديدة من المراهقين في إطار البحث عن فهم لما يحدث على كوكبنا الجميل من تغيرات أدت إلى تدمير التنوع البيئي واختفاء آلاف الأنواع من أجناس الحيوانات من على وجه الكوكب. وفي هذا الفيلم لا يبحث فقط الجيل الجديد عن فهم للظاهرة بل طرح إجابات عبر هذا الفهم لحلول حقيقية وملموسة تؤدي إلى تغيير الأوضاع للأفضل والحفاظ على كوكب الأرض؛ وأظن أن مثل هاته المبادرات التي تطلق لأول مرة قد يكون لها نتائج أكثر تأثيراً على مسار التعاون الدولي في مجال تغير المناخ لأنها تخاطب وتشرك مكونات المجتمع الدولي المختلفة خاصة أجيال المراهقين..