أ.د.عثمان بن صالح العامر
يدعي العلم أنه من خلال مناهجه المختلفة يهدف في النهاية لخدمة الإنسان وتسهيل حياته وتحقيق سعادته، ولكن هل هذه هي الحقيقة بناءً على معطيات الواقع الذي نحياه، أم أن العلم صار باب شر، وسبب تعاسة وشقاء؟
طبعاً النظرة الأولية البسيطة قد تدفعنا لأن نسلِّم بالربط والتلازم بين العلم والرفاهية البشرية، ونجزم بأن الكم المعرفي هو وحده من سيحقق التقدم الإنساني، ومن ثم تنال به سعادة البشرية. ولكن حين التعمق والسبر وقراءة الواقع قراءة فاحصة سيجد المتأمل المتبصِّر المنصف أن هناك مجالات علمية عدة هي سبب من أسباب شقاء الإنسان المعاصر وتعاسته، أو على الأقل شريحة من الناس، فهي نظريات بشرية ذات صبغة مادية صرفة، لا تنال بها سكينة الروح، ولا يتحقق معها نور العقل، ولا راحة الجسد، ولا صفاء القلب وطمأنينته، وربما وصل الحال في العلم أن جعل الآلة منافسة حقيقية للإنسان في ميدان العمل وكسب لقمة العيش، بل في زمننا هذا أراد العلم من هذا المخلوق المكرم أن يكون شيئاً، في زمن (التشيء)، هذا الذي ولّده السباق والتسارع والتهافت والتنافس الحميم على توجيه العلم ليتحقق به الإشباع المادي الصرف لفئات وطبقات ومجتمعات دون أخرى، ولعالم أول على حسب عالم ثالث، وغرب يسلب شرقاً، وهكذا.
باسم العلم ومن خلال أفكار ومخترعات وابتكارات العلماء يتصارع العالم، ويأكل القوي الضعيف، بالعلم تصنع الصواريخ، وتباد البشرية، وتنشر الفوضى، ويتلاعب بالنسل، وتتدخل الهندسة الوراثية بالهيئة والشكل، ويسوّق للمذاهب الفكرية الضالة المضلة وعلى رأسها وأولها الإلحاد، وتشرعن الرذيلة في المجتمعات، ويدلل ويبرهن للعنف والتطرف والإرهاب بنصوص من القرآن والسنة بعد لوي أعناقها. بالعلم يحارب الإسلام الوسطي السلفي الصحيح الذي هو بنص كتاب الله السبيل الوحيد لإسعاد البشرية وإخراجها من الظلمات إلى النور، وغير ذلك كثير.
ليس فيما ورد أعلاه قدحاً بذات العلم، ولكن فيه تحذير مبني على تخوف شخصي من أن يصبح العلم في عصر الثورة الصناعية الرابعة عدواً حقيقياً للإنسان، ونازعاً منه أخص خصائصه وأكثر مميزاته في هذه الحياة، فلا عقل لنا، ولا روح بنا، فضلاً عن أن تكون لنا قلوب. نصير مجرد أرقام في مسلسل الوجود، وأتراس في آلات الإنتاج، حينها سيكون الضنك الذي أخبر عنه الرب سبحانه وتعالى، وسيبحث الإنسان عن ذاته فلا يجدها إلا بعودته إلى نقطة الصفر، سيذهب للطبيعة، للبرية، مع غنمه ليعيش خارج سياق العصر الذي صار فيه، يصبح على هامش الفعل الحضاري، والبناء الثقافي، والوجود الاجتماعي.
أتمنى ألّا نصل إلى هذا المنعطف البشري الخطير، ولكن النظام الرأسمالي العالمي بأساليبه ووسائله ومقتنياته وسلطاته المطلقة في عصر العولمة الصعب، يقود العالم أجمع إلى هذا المستنقع الآسن، وإذا لم يتنبه عقلاء البشرية لما يسير عليه العلم بوتيرته المتسارعة، ويدركوا الخطر القادم فستكون الكارثة عامة وشاملة، والسبب (الانحراف بالعلم من كونه يسوقنا لباب الخير والفلاح إلى جعله معول هدم وباب شر). وبيان الخير والشر، الفلاح والطلاح، السعادة والشقاء، ليس لأحد من البشر، وإنما هذه الثنائيات محددة بضوابطها ومعالمها وسياقاتها المختلفة من قبل رب البشر، فهل نكون نحن بلاد الحرمين الشريفين من يعيد العلم إلى مساره الصحيح؟ وينقذ البشرية من حالة الاحتقان؟ وينتشلها من قلق الموت؟ ويرفع عنها الخوف والهلع والتخبط الذي تحياه في قادم الأيام؟، أتمنى ذلك، وإلى لقاء، والسلام.