خالد بن حمد المالك
كانت تونس مع سقوط نظام الرئيس (بن علي) في فترة ما سمي بالربيع العربي هي الدولة التي لملمت أوضاعها سريعاً، وتعاملت مع المستجدات بما جعلها في مأمن من الصراعات الدموية، متجنبة كل ما يؤدي أو يماثل ما حدث في سوريا ومصر وليبيا، غير أن هذه الصورة الجميلة ظلت هدفاً لتشويهها من أعداء هذا البلد الجميل، سواء من الداخل أو الخارج.
* *
أخذت المؤامرة حقها من الوقت والتخطيط، وتدثرت بما يُعرف بحقوق الإنسان، والديمقراطية، والحرية، وحق المواطن في التعبير الحر سلمياً، مع حقه في اختيار ممثليه في مجلس النواب، بإخراج مخادع أحياناً، وآلية تظهر ما لا تخفيه القوى المعادية الداخلية والخارجية، لتمرير المخطط التآمري على البلاد.
* *
ظهرت أول إشارة على أن تونس أمام مستقبل غامض حين شكل مجلس النواب بأغلبية من حزب النهضة (الإخواني) واختيار رئيس الحزب (الغنوشي) رئيساً للمجلس، وتأكد للغيورين على تونس من الداخل والخارج أن البلاد تحضّر لمستقبل قد لا يكون لصالح الدولة، يؤكد ذلك عندما سارع الرئيس الغنوشي للسفر إلى تركيا، وتوقيع مجموعة من الصفقات مع نظيره التركي دون الرجوع إلى المجلس، أو الالتزام بمصالح تونسية يتفق عليها التونسيون.
* *
وإذا علمنا أن أطماع تنظيم الإخوان المسلمين في كل الدول العربية والإسلامية تتركز في الاستيلاء على أنظمة الدول، أدركنا طبيعة العلاقة بين مجلس النواب في كل من تركيا وتونس، وخاصة بعد تولي الغنوشي رئاسة مجلس النواب التونسي، وما كان يدور من خلافات وتجاذبات بين أعضاء المجلس، تصل أحياناً إلى استخدام الأيدي، والعبارات غير المناسبة.
* *
في ظل هذه الأجواء المشحونة بالتوتر والانفجار، وظهور طبقة فاسدة في الدائرة المهمة التي تتولى مسؤوليات قيادية في الدولة، وما تبين من أن هناك أحزاباً وتنظيمات تمول من الخارج بهدف إنجاز المشروع التآمري وفق مفهوم الإسلام السياسي، بصرف النظر عن ملاءمته لطبيعة تونس ورغبة مواطنيها، ندرك لماذا لجأ الرئيس التونسي قيس سعيد إلى أخذ القرار التصحيحي للحالة التي تمر بها البلاد.
* *
فتونس في مرحلة كانت تتطلب مثل هذه القرارات المفصلية، إذ إن هناك من التونسيين من أراد أن يجر البلاد إلى الفوضى وعدم الاستقرار، وإلى إضعافها اقتصادياً، وصولاً إلى حشد التأييد داخلياً وخارجياً للتغيير بمواصفات ومقاسات الإخوان المسلمين، وهو ما فطن إليه رئيس البلاد، فأخذ بما تمليه عليه مسؤولياته، وما رأى أنه يحمي بلاده ومواطنيه من غدر الغادرين، وطمع الطامعين بالحكم على حساب المصالح العامة، فكان قراره بتجميد مجلس النواب لمدة شهر، وحل الحكومة وإقالة رئيسها، وإقالة وزير الدفاع، إلى جانب قرارات أخرى مهمة.
* *
ما يهمنا أن تبقى تونس دولة حرة، دون أي تدخل من الدول الأجنبية بشأنها الداخلي، وأن تعمل المؤسسات في البلاد بما يلبي تطلعات المواطنين، ويحقق لهم مصالحهم، وأن يتم القضاء على الفساد في دولة تمر بأوضاع اقتصادية صعبة، فضلاً عن كشف المستور عن تمويل بعض الدول لبعض التنظيمات والأحزاب بأموال مشبوهة لا تخدم مصالح البلاد؛ ومن يحب تونس عليه أن يتجاوب مع المستجدات إيجابياً، وصولاً إلى وقف ما كان ينتظر البلاد من تحديات مدمرة وأوضاع جد خطيرة.