د. محمد بن إبراهيم الملحم
د. هاريس كوبر Dr. Harris Cooper من أشهر الباحثين حول فائدة الواجب المنزلي وقيمته التعليمية، ومن أشهر كتبه عام 2007 «الحرب ضد الواجب المنزلي: أرضية مشتركة للمديرين والمعلمين والوالدين»، وهو من أنصار الواجب المنزلي والمدافعين عنه ولذلك فإنه قام بعمل بحثي مبكر عام 1989 درس فيه أكثر من 100 بحث سابق تناولت الواجب في مقارنة بين تحصيل الطلاب في ظل وجود واجب مع تحصيل آخرين يماثلونهم دون واجب وكانت تلك الأبحاث بين عامي 1930-1989م لتثبت نتائج دراسة كوبر لكل هذه الأبحاث أهمية الواجب وأن له قيمة تعليمية تثبتها الأرقام. كما عمل بحثاً آخر مع زملاء له عام 2007 لتشمل تلك الدراسة كل الأبحاث المماثلة التي عملت بين 1978-2006 ويحصل مرة أخرى على نتيجة مماثلة لأهمية الواجب المنزلي وقيمته التعليمية.
الواقع إنه لا يزال اليوم وفي قرننا الواحد والعشرين عدد من الكتاب التربويين ينادون بإعادة النظر في مفهوم الواجب المنزلي، وقد ألفوا في ذلك كتباً، وأول معارضة ضد الواجب كان لها صدى مؤثر ظهرت عام 2000 من خلال كتاب د. إيتا كرالوفيك والصحفي جون بيول Dr. Etta Kralovec and journalist John Buell بعنوان «نهاية الواجب المنزلي: كيف يربك الواجب المنزلي العائلات، ويرهق الأطفال، ويحد من التعلم» والذي اعتبره كثيرون أول هجوم نخبوي عالي المستوى على الواجب المنزلي حيث ركز المؤلفان على الأضرار الاقتصادية بشكل خاص على الطلاب الأقل حظًا disadvantaged students وهم أولئك الذين لا يتسنى لهم تعليم جيد ولا بيئة تعلم منزلية جيدة مما يستحيل معه تمكنهم من حل الواجبات، لا لشيء ولكن بسبب ظروفهم، وقد دعا المؤلفان الناس للوقوف معاً والاتحاد للتصدي لظاهرة الواجب المنزلي وطالبوا باليوم الدراسي الممتد كبديل لذلك.
كذلك أشير إلى كتاب سارة بينيت ونانسي كاليش Sarah Bennett and Nancy Kalish عام 2006 بعنوان «قضية ضد الواجب المنزلي: كيف يضر الواجب المنزلي بأطفالنا وما الذي يمكننا عمله نحو ذلك» انتقدا فيه الواجب من الناحيتين الكمية والكيفية، وقدما دلائل توضح الأضرار الناجمة على الطلاب وعائلاتهم نتيجة الكم الكبير من الواجبات، وأشارا في الجانب النوعي إلى أن المعلمين ليسوا مؤهلين بما فيه الكفاية لإعطاء مستوى من الواجب المنزلي الذي يحقق الأهداف التعليمية فعلاً، ولذلك طالبا التصدي لهذه الظاهرة وإيقاف الواجبات المنزلية خاصة التي كانت تعطى في الإجازات، وهذا الجانب النوعي أشار إليه كتاب ثالث مهم هو كتاب كوهن عام 2006 بعنوان «خرافة الواجب المنزلي: لماذا يعطى أبناؤنا كثير من الشيء السيء» والذي تميز بهجومه الشديد على الواجب بل وتعرضه لأنصار الواجب وكتاباتهم مثل د. هاريس كوبر Dr. Harris Cooper في شيء من النقد الجارح لنواياه وتعمده توجيه نتائج البحث العلمي الذي أجراه لصالح توجهاته، ومع ذلك فقد ذهب كوهن هذا إلى أن الواجب المنزلي يمكن أن يكون فعالاً ومفيدًا تعليميًا فقط إذا أتقن المعلم تقديمه (وهو ما يراه شبه مستحيل طبعًا في حق «أغلب» المعلمين).
من قضايا معارضة الواجب المهمة مسألة تصحيح الواجب والتعليق عليه لتقديم تغذية راجعة، ففي حين يرى بعض الباحثين عدم ضرورة ذلك فإن كثيرًا من الممارسين التربويين يرى العكس ويؤكد ضرورة أن يحصل المتعلم على التغذية الراجعة لما أسموه «شبه اختبار صغير» ويمثل التعليق على الواجب أهم وسيلة ليحقق الواجب هدفه الأساس لتحسين فهم الطالب واستيعابه، وهذه النقطة يثيرها معارضو الواجب المنزلي بشدة في معرض نقدهم لأن عدم التصحيح هو الممارسة السائدة في التعامل مع الواجب، فالمعلمون في الغرب (ولدينا) لا يعطون درجات للواجب ولا يعلقون على محتوى الحل ليستفيد الطالب بل يكتفون بالتأكد أن الطالب قام بما كلف به وحل الواجب (حتى لو أخطأ) وبالتالي فجميع الطلاب بمختلف مستويات حلولهم للواجب يأخذون الدرجة نفسها! مما ينفي قيمته التعليمية عندئذ.
هناك من يرى أن معركة الواجب المنزلي توازنت فيها الكفتان تقريبًا ففي حين أثبت أنصار الواجب أهميته التعليمية بالأرقام والتحليلات الإحصائية الناتجة من دراسات متعددة تدرس الموضوع تجريبياً فإن معارضي الواجب المنزلي حصلوا على شعبية كبيرة من خلال نداءاتهم تارة وهجومهم على نتائج أنصار الواجب تارة أخرى وتفنيدهم لها، كما أنهم نجحوا في اختيار موضوعاتهم التي تمس الجانب الإنساني والعدالة والمساواة وأخيرًا كانوا واقعيين عندما ذهبوا إلى أن الواجب يمكن أن ينفع تعليميًا فقط في حالة توفر كل عوامله مثل إتقان تطبيقه وتوفر البيئة الكافية للطالب لممارسة الواجب وهو ما لا يتوفر بالضرورة، بالإضافة إلى وجوب تصحيح الواجب وتقديم تغذية راجعة للطالب.
أخيرًا، لقد أخذتكم في جولة حول هذه المعركة، ولا أدري أين تركتكم ... فأين أنتم الآن؟
** **
- مدير عام تعليم سابقًا