محمد سليمان العنقري
يمكن القول إن صناعة التأمين تعد حديثة عهد في الاقتصاد المحلي بإطارها الواسع بعد أن بدأ تنظيم القطاع قبل أكثر من 15عاماً، حيث طرحت للاكتتاب عشرات الشركات برؤوس أموال تبدأ من مائة مليون ريال وقد شهد هذا القطاع تقلبات حادة بأداء شركاته، حيث تعرّض الكثير منها لخسائر تآكلت معها رؤوس أموالها مما اضطرها لإعادة هيكلة رأس المال بالإضافة لتغييرات تنظيمية عديدة عالجت بعض القصور الذي رافق انطلاقة القطاع بحلته الجديدة لكن لم تقض على الإشكاليات التي تواجه توسع نطاق عمل الشركات ورفع نسبة مساهمته بالناتج المحلي.
ففي السنوات الثلاث الأخيرة برزت موضة الاندماجات بين شركات التأمين المدرجة بالسوق المالية وقد يكون اتجاهاً صحيحاً لتأسيس كيانات قادرة على المنافسة، فقد وصل عدد الشركات إلى أكثر من 30 شركة برؤوس أموال تقارب 12 مليار ريال ويبلغ حجم القطاع قرابة 55 مليار ريال أي ما يقارب 2 بالمائة من الناتج المحلي وفق بعض الإحصاءات إلا أن الطموح لتنامي حجم القطاع وتعزيز دوره بالاقتصاد ما زال أكبر بكثير مما تحقق، فعالمياً يمثِّل قطاع التأمين حوالي 5 بالمائة بالمتوسط من الناتج الإجمالي للاقتصادات المتقدِّمة فكلما ارتفع حجم القطاع تحسنت كفاءة الاقتصاد عموماً والاستقرار فيه من خلال الحفاظ على قيمة الأصول والممتلكات من التبخّر في حال تعرّضها لحوادث أو كوارث مغطاة تأمينياً بخلاف منتجات التأمين الأخرى التي تمس الأفراد كالطبي وغيرها.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل اندماج الشركات القائم حالياً هو الحل السحري لمعالجة تعثّر بعض من هذه الشركات أو ما تشهده من تقلبات بنتائج أعمالها بشكل حاد من عام لآخر، أي تعلن بعضها عن تحقيق أرباح في عام وتخسر بالعام التالي وهو ما حوّل التعامل بالسوق المالية للكثير من شركات القطاع للمضاربات الحادة، فدمج الشركات لا بد وأنه بكل تأكيد مبني على وجود فرصة إما بتعزيز حصة الشركتين المندمجتين، حيث لدى كل واحدة منهما منتجات مختلفة أو لتقليص المصاريف وزيادة العائد التشغيلي، ولكن مهما كانت المنافع إلا أنها غير مضمونة بالمستقبل إذا لم تعالج الجوانب التنظيمية كاملة التي تعيق توسع أعمال النشاط التأميني، إذ يفترض أن يتجاوز حجم نشاط القطاع حاجز 100 مليار ريال ولذلك تظهر مقترحات بين فترة وأخرى لتحسين أداء القطاع الذي تبلغ نسبة التوطين فيه حوالي 75 بالمائة فمن بين هذه المقترحات أن يكون للقطاع هيئة ناظمة لأعمال الشركات التشغيلية كما هو الحال بهيئة الاتصالات أو هيئة العقار حتى يكون لديها كل الصلاحيات والمسؤوليات للتفرّغ لإدارة هذا القطاع والتسريع بتوسيع نشاطه.
قطاع التأمين يعد من أهم القطاعات بأي اقتصاد ويمثِّل حماية اقتصادية قوية للممتلكات العامة والخاصة وتعزيز الثقة بالنشاط الاقتصادي وحماية للأفراد بالإضافة لدوره المهم بضخ الاستثمارات من الأموال المكتتبة بأقساط التأمين في السوق المالية وبأنشطة اقتصادية عديدة، حيث تمثِّل استثمارات شركات القطاع داعماً رئيسياً لتمويل الشركات وتعزيز دور الاستثمار المؤسسي بالأسواق المالية.