فضل بن سعد البوعينين
تمكنت المملكة من تسجيل منطقة حمى الثقافية بنجران على قائمة التراث العالمي في اليونسكو، بوصفها موقعاً ثقافياً ذا قيمة عالمية استثنائية للتراث الإنساني. «منطقة حمى الثقافية» من أكبر مجمعات الفن الصخري في العالم، وهي لا تكتسب أهميتها من مكونات الفن الصخري فحسب، بل ومن موقعها المهم في طرق القوافل القديمة وطرق التجارة التي تمر من خلال الأجزاء الجنوبية من شبه الجزيرة العربية، حيث تمثل الآبار الموجودة في بئر حِمى آخر نقطة إمدادات الماء على طريق الشمال، والأولى بعد عبور الصحاري، إضافة إلى قيمتها التاريخية كونها إحدى الأسواق الرئيسية في شبه الجزيرة العربية القديمة.
يحتضن موقع حِمى عددًا كبيرًا من النقوش الصخرية القديمة ومنها نقوش بالقلم الثمودي، والنبطي، والمسند الجنوبي، والسريانية واليونانية، بالإضافة إلى النقوش العربية من فترة ما قبل الإسلام، والتي تعتبر بدايات الخط العربي الحديث؛ وهو الموقع السادس المسجل ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي بعد مواقع الحِجر، حي الطريف بالدرعية التاريخية، جدة التاريخية، واحة الأحساء، مواقع الفنون الصخرية بمنطقة حائل. إضافة نوعية ومهمة تؤكد عزم المملكة على تحقيق أهداف رؤية 2030 في بعدها التراثي والثقافي، والذي يوليه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان اهتمامًا بالغًا، وعناية خاصة لما فيه من ترسيخ للثقافة والمحافظة على الإرث الثقافي الذي تحتضنه أراضي المملكة الغنية بتاريخها وحضاراتها المتنوعة.
تضمنت «رؤية السعودية 2030» هدف تنشيط المواقع الأثرية والثقافية السياحية والاهتمام بها، ورفع عدد المواقع الأثرية المسجلة في اليونسكو إلى الضعف، وهو الهدف الذي تتضافر جهود الوزارات والهيئات ذات العلاقة لتحقيقه على أرض الواقع.
لتسجيل المواقع الأثرية والثقافية في اليونيسكو بعد اقتصادي مهم، ينعكس إيجابًا على المناطق المسجلة ويحولها إلى مناطق جذب سياحي يسهم في تنشيط الحركة الاقتصادية وتنميتها وخلق الوظائف في المناطق الحاضنة. كما تعتبر من أهم أداوات التنمية البشرية والاقتصادية في المناطق النائية، التي ستتحول مع مرور الوقت إلى مزارات سياحية تسهم في إنعاش المنطقة وتعزيز التدفقات الاستثمارية في القطاع السياحي على وجه الخصوص.
فالتسجيل في اليونسكو يمثل بداية تحقيق الأهداف لا نهايتها، حيث يتطلب الأمر الكثير من الجهد لتعزيز البنى التحتية واستكمالها وبما يسهم في تحقيق متطلبات الجذب السياحي عمومًا، إضافة إلى المحافظة على طبيعة الموقع، وفق متطلبات اليونسكو، لضمان استدامة التوثيق.
ماذا بعد التسجيل في اليونسكو؟؛ سؤال يحمل في طياته الكثير من المعاني التنموية التي يأمل في تحقيقها المهتمون بالسياحة والتراث الوطني، والتنمية المحلية، وتعزيز المكاسب الوطنية، على مستوى القطاع الحكومي، والخاص، والمجتمعي أيضًا.
التركيز على البنى التحتية من أهم مراحل التطوير، وأكثرها احتياجاً للإنفاق الرأسمالي الحكومي، فإتمام هذه المرحلة سيزيد من فرص تدفق الاستثمارات الخاصة على المواقع الأثرية والثقافية، والسياحية عمومًا، وسيسرع في تحقيق ممكنات التنمية الاقتصادية. فالاستدامة لا يمكن تحقيقها بمعزل عن القطاع الخاص الذي يهتم كثيراً بالتشريعات، والفرص النوعية، واستكمال البنى التحتية التي يفترض أن تكون من مسؤوليات الحكومة وأولويات الإنفاق.
قد يكون من الأجدى إنجاز تجمعات سياحية متكاملة؛ في المناطق الحاضنة للمواقع المسجلة في اليونسكو؛ أشبه ما تكون بالقرى السياحية المصغرة التي تضم مراكز إيواء، ترفيه، وتسوق، وفق أعلى معايير التطوير الحديثة، وهي فكرة قد تسهم في تركيز الإنفاق وتوجيهه لتحقيق المنفعة القصوى ودعم المواقع الثقافية والأثرية وبما يحولها إلى مناطق جذب سياحية.
المملكة غنية بمواقعها التراثية التي تعتبر ثروة حضارية يمكن استثمارها في تعزيز البعد الاقتصادي، وخلق قيمة مضافة للمناطق الحاضنة لها وفق رؤية استثمارية تنموية تكاملية تحقق الأهداف الثقافية والسياحية والاستمارية والاقتصادية في آن.