أ.د.عثمان بن صالح العامر
كنت أظن أنه لن يمر علينا موسم يصعب فيه إقامة أفراح الزواج بالشكل الذي ألفناه واعتدنا عليه أشد من ليالي حرب الخليج عام 1991م، حيث كانت صواريخ سكود التي كان يطلقها الرئيس العراقي صدام حسين من العاصمة بغداد على أرض المملكة العربية السعودية خاصة العاصمة الرياض، تفسد أفراحنا وتملي علينا بروتوكولات أعراسنا، وتملأ قلوبنا خوفاً وهلعاً. ولكن هذا الظن بكل تداعياته، وجميع صوره التي احتفظ بها في الذاكرة منذ ثلاثين عاماً تلاشى ورحل منذ أن حل بالعالم أجمع فيروس كورونا.
- اليوم -والحمد لله على كل حال- صار الزواج مليئاً بالمحاذير، ومحاطاً بالتحذيرات، ومسيجاً بالاحترازات، التي بها بعد حفظ الله وحمايته الوقاية من انتقال الفيروس من شخص لآخر، وربما كانت هذه المناسبة التي الأصل فيها الفرح سبباً للترح العائلي لاسمح الله.
- من كان يتصور أنه سيمر عليه ظرف يكون فيه التقارب، والمصافحة فضلاً عن المعانقة، بل التجمع في الأساس ممنوع من أجل عدم الإصابة بهذا الوباء الشديد.
- من منا كان يتوقع أن يحدد لها عدد المدعوين ليقع في حرج مع نفسه، ترى أقدم من على من؟ ولمن أبعث بطاقة دعوة الزواج؟، أو على من اتصل؟ وما هي صيغة الاعتذار التي أدونها في البطاقة الإلكترونية، وكان المخرج المقنع (زواج عائلي).
- من كان يتوقع أن يرى العريس ومعه أهله وذووه وأصدقاؤه ومحبوه في صورة جماعية داخل الاستراحة التي أقيم في حفل الزواج وهم يرتدون الكمام.
- من كان يظن أن قصور الأفراح وقاعات الاحتفالات التي كانت تكتظ بالبشر، وتدر على أصحابها المال الوفير خلال إجازة نهاية العام، حيث مناسبات الزواج في فصل الصيف، صارت اليوم مهجورة، لا حياة فيها.
- من كان يتصور أن يوقف السفر اضطراراً لعدد من بلاد العالم التي كانت قوافل المتزوجين في مثل هذه الأيام تذهب لها لتقضي أسابيعها الأولى هناك.
- من كان يدور في خلده أن يبقى هذا الفيروس جاثماً على صدور بني آدم كل هذا الوقت، وربما سيظل لمدة أطول- لاسمح الله- فيجعل الكل يعيش بين الخوف والرجاء، لعل وعسى أن يرفع الرب سبحانه وتعالى عن عبادة هذا البلاء ويزيل الوباء فتعود أفراحنا أفراحا.
- من كانت تتوقع أن صديقتها منذ زمن الطفولة، التي تروي لها تفاصيل حياتها، وتحكي جميع أحداثها، وترسم معها طريق مستقبلها الأسري مع فارس أحلامها، لن تتمكن من حضور مناسبة زواجها لأنها أصيبت بالأمس القريب بكورونا، ويجب عليها أن تعزل نفسها عن جميع من حولها.
- من كان يتوقع أنه سيقرأ يوما ما رواية سعودية تحكي قصة (زواج فتاة في عصر كورونا) الذي نسأل الله عز وجل أن يعجل بانتهائه، وتعود الحياة إلى طبيعتها، ويفرح الكل بمناسباتهم الزواجية التي هي أحداث مفصلية في حياة العروسين غالباً، دمتم بخير ودامت أفراحكم، وأسعد الله لياليكم وأيامكم، وأتم علينا وعليكم نعمه الظاهرة والباطنة، وإلى لقاء والسلام.