عبده الأسمري
من أعماق الأنين إلى آفاق الحنين.. ركض في الميادين.. وغاص في المضامين.. ليكون فيها «زامر» الحي الذي غرد بعناوين «القصص» و»رامز» الضيء الذي سرد موازين «الحكايات».
اتخذ من «الوجوه» خلطة سرية لكتابة «القصة» ومن «المواجهة» خطة علنية لرواية «الحكاية «.. فكان «الناطق» باسم «الحرمان» في الأحياء الشعبية و»المتحدث» بواقع «السلوان» في الذكريات المنسية.
بين «عزلة» الذات و»منزلة» الإثبات.. كانت «حفلته» صاخبة «المعاني» مخضبة «النتائج» وأبلغ حاضريها أنه لا شأن له بنفسه لينسج قصة «النغري» الطائر «الحكيم» الذي روى للغائبين ما عجز «الحاضرون» عن فهمه على ضفاف «النص» ليبقى إرثه «مجموعة» إبداعية وإنتاجه «مقطوعة» اجتماعية ترددت في أصداء «الذاكرة» وتمددت في أفياء «الاستذكار».
إنه القاص الشهير والصحافي والكاتب عبدالله باخشوين رحمه الله، أحد أبرز القاصين في السعودية والخليج.
بوجه حنطي اللون.. باهي الملامح زاهي المطامح.. وعينين لامعتين وتقاسيم تطغى عليها علامات «النباهة» و»النباغة» مع أناقة تعتمر الأزياء الوطنية المتكاملة على محيا يتقاطر تهذيباً وشخصية ودودة يسودها «الصمت» ويسكنها «الجد» وصوت حجازي تتوارد فيه «لغة» الأديب وتسمو وسطه «سكنة» التأدب وتعلو منه «همة» المثقف وترقى خلاله «مهمة» الكاتب.. قضى باخشوين من عمره عقوداً وهو يؤسس أصول السرد القصصي ويرتب فصول الرصد الروائي في سيرة ستبقى في متون «السداد»، وتظل في شؤون «الانفراد» تجدد مداها في قلب «الإنصاف» وتردد صداها في قالب «الاعتراف» قاصاً وكاتباً وروائياً وأديباً ومثقفاً وصحافياً وإنساناً جمع «أدوات» المهارة وأكمل «شروط» الكفاءة رغماً عن «عوائق» الزمن و«عراقيل» الظروف.
في «الطائف» عروس «المصائف» ولد في ليلة شتوية جمعت «أطراف» الأسرة في محفل «التهاني» وتعتقت أنفاسه بروائح «الورد» الطائفي وتشربت روحه لوائح «الود» العائلي فنشأ بين «أحضان» الألفة وتربى وسط «أمان» التآلف وسط أسرة محدودة الدخل ممدودة النبل فحمل على «أكتافه» موجبات «الوعي» وعزائم «السعي»، حيث ركض باخشوين صغيراً بين أحياء «العزيزية» و«الشرقية» و«الشهداء» متأبطاً المجلات والكتب والصحف التي كانت «محطة» استراحته من عناء أعمال متفاوتة. وجال باخشوين بجسده النحيل ومشيته «الراكزة» مبكراً بين برحة القزاز ومسجد العباس وباب الريع وشارع البريد القديم منتظراً رفقاء الطفولة وأصدقاء البطولة للاجتماع على «دكة» الحارة وسرد مواقف اليوم التي تحولت إلى قصص أولية رتبها في ذاكرته «المثقلة» بهموم الناس لتكون «الدعوة» الأولى للحفلة التي كانت انطلاقته «القصصية عام 1985» ثم اقتنص بعدها تداعيات وانعكاسات «حركة» دؤوبة وسواليف مركبة بين أصدقائه لطائر «النغري» على أشجار العنب فحولها لمجموعة قصصية عام 1998.
انتقل إلى جدة وعمل في الصحافة بصحيفة عكاظ وعمل مع عبدالله مناع في صحيفة البلاد ومجلة اقرأ وكتب مقالاً وصف بالجريء حينها، وتوقع أنه سيعاقب، فغادر إلى العراق وأمضى هناك خمس سنوات، وعمل فيها في فترات متقطعة ببعض الصحف وعاد إلى السعودية مرة أخرى، وكان مجرد «توجس» منه خالف الواقع، وتمت مساءلته ولم تتم معاقبته.
ثم عمل في القسم الثقافي بمجلس التعاون الخليجي، وأمضى فيه وقتاً ثم طلبه الدكتور فهد العرابي الحارثي للعمل في مجلة اليمامة لفترة، ثم غادر بعدها إلى جازان برفقة زوجته «الوفية» أم محمد، حيث استثمر هناك في محل فيديو في مدينة أبوعريش وكان منزله ومحله ومكتبته مجمعاً لالتقاء المثقفين وتلاقي الأدباء.
وبعد أن كبر أبناؤه عاد إلى جدة وعمل مديراً لتحرير مجلة «استجواب» التي أُصدرت في 176 عدداً ثم توقفت.
أصدر باخشوين إضافة إلى مجموعتي «النغري» و«الحفلة» كتاب «على ضفاف النص» عام 2011 و»لا شأن لي بي» مجموعة قصصية عام 2012 والتي فازت بجائزة معرض الكتاب وروايته الشهرية «سلطان سلطانة» عام 2013 ثم كتب في عدة صحف في زوايا متعددة وكان له عمود أسبوعي في صحيفة الجزيرة، وامتاز بلغته المباشرة ومفرداته الرصينة وآرائه المتزنة وأسلوبه الفاخر.
انتقل باخشوين إلى رحمة الله مساء السبت 14 شعبان 1442 الموافق 28 مارس 2021 بعد معاناة مع المرض، وقد ووري جثمانه ثرى جدة، وودعته الأوساط الثقافية ونعته المنصات الأدبية وبكته المنابر المعرفية.
ما بين قرارة «النفس» و«مهارة» الإنتاج و»مرارة» الرحيل أقام عبدالله باخشوين «حفلته»التي اختصرت «قصة» كفاحه و»غصة» وداعه، تاركاً مدى «الأثر» وصدى «التأثير» بين ثنايا «السيرة» وعطايا المهنية وسجايا «الإنسانية».