م. بدر بن ناصر الحمدان
من أهم القواعد الإدارية التي يمكن أن تخلق بيئة عمل «مُنتجة» الإيمان بأن كل شخص سوف يغادر مكانه يوماً ما - أياً كان مستوى مسؤوليته -، إذ إن نمط التفاعل مع بيئة العمل بكل مكوناتها سوف يُبنى على عقلية «الإيفاء» بمتطلبات فترة زمنية مؤقتة ستكون لاحقاً عنواناً رئيساً لسيرة ذلك الشخص المُغادر في ذاكرة الناس والمكان، ناهيك عن كونها «الأمانة» التي سوف يسأله الله - عزَّ وجلَّ - عن أدائها بناءً على المبادئ الربانية:{وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}، و{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}.
يخفق الكثير من الأشخاص في بناء كاريزما إدارية قادرة على إقناع المحيطين بكفاءته، ورضاهم عن عمله، وعلاقته معهم، أو حتى مستوى ونوع إنتاجيته، والنظر إليه كشخص مؤثِّر وفاعل، بسبب أن مثل هؤلاء يعملون بعقلية «الأبدية» و»الحيازة» وكأنهم امتلكوا هذا المكان ومن فيه ولن يغادروه أبداً.
الجانب الآخر من الموضوع يتعلَّق بفهم العلاقة التعاقدية بين الإنسان وعمله، وأهمية إدارة هذه العلاقة بشكل يعتمد على القيام بالواجبات المناطة وفق المسؤوليات التي تضمنتها متطلبات الوظيفة دون أن يتجاوز هذا الأمر نطاق العمل ويمتد للتأثير على الحياة الخاصة وهدر الطاقة المعنوية الشخصية للإنسان.
لذلك فالكثيرون اكتشفوا لاحقاً - وبعد فوات الأوان - أن عملهم كان يستحق جهداً أكبر منهم وعلاقة أفضل مع الآخرين، وعلى النقيض يرى آخرون أن عملهم لم يكن يستحق أبداً كل ذلك الجهد الذي بذلوه مقارنة بمردوده إليهم، الأمر هنا قد يبدو معقداً بعض الشيء، إلا أنه يمكن التحكم به إذا ما تم النظر إليه على أنه معادلة متوازنة بين «الحقوق» و«الواجبات».
تذكّر دائماً أن سنَّة الحياة تتطلب الإيمان بثقافة الاستبدال التي لا تعني دائماً أنك سيئ بقدر ما هي جزء من عملية التغيير المستمرة والطبيعية في دورة تطوير الأعمال، وكونها إحدى محطات مسيرتك العملية، فلا أحد يبقى في مكانه، الأهم من ذلك كله أن تعمل من أجل ذلك اليوم الأخير وتترك أثراً تحتفظ به لعربة الأيام، ولا تنسى أنه «مهما كُنتَ جيداً، فسيتمُ استبدالك يوماً».