صبار عابر العنزي
على الرغم من أنه قاعدة شرعية أقرها الدين الإسلامي في حال استحالت الحياة بين الزوجين، وتأكدت المرأة من أن الحياة مع الزوج أصبحت جحيمًا لا يُطاق وأرادت الانفصال لأسباب تسردها للمحكمة وتوضح فيها أسبابها وراء رفع دعوى الخلع من الزوج، فإن قانون «الخلع» عربيًا شبحٌ يطارد الرجال خوفاً من تدمير البيت الآمن (الأسرة)، لذا استُقبل بعاصفة رفض كبيرة من الرجال، وفي زعمهم أنه يسلب من الرجل الحق في الطلاق دون إرادته إذا طلبته المرأة، في حين ارتأت فيه العديد من النساء بأنه نافذة كبيرة من الحرية قد فُتحت أمامهن لاسترداد حقوقهن التي كفلها لهن الدين والقانون.
وبين هذين المتضادين وقفت الأسرة واستقرار المجتمع في مفترق طرق خطير قد يؤدي بها إلى هاوية سحيقة من تفكك وتشريد للأطفال وانتشار الأعمال المنافية للدين ولأعراف المجتمع، على سبيل المثال وُجهت أصابع الاتهام لكثيرين في أزمة تهدد بنية المجتمع برمته وكان المتهم الأكبر قانون الخلع.
وكثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة اللجوء لمحاكم الأسرة، فالخلع دعوى ترفعها الزوجة المسلمة في حالة عدم التراضي بينها وبين زوجها على الطلاق، وتتنازل بمقتضاها عن جميع حقوقها المالية الشرعية مثل مقدم الصداق (المهر)، ولا تستطيع المحكمة أن تحكم بالتطليق للخلع إلا بعد أن تحاول الصلح بين الزوجين، وذلك بندب حكمين لهذا الغرض خلال مدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر، فإذا عجزت المحكمة عن الصلح فإنها تحكم بالتطليق.
ويكون الحكم بالتطليق للخلع غير قابل للطعن عليه بأي طريق من طرق الطعن. وطبقًا لتقرير صادر عن مركز معلومات مجلس الوزراء المصري، فإن قانون الخلع تسبب في حالة طلاق كل دقيقتين ونصف الدقيقة، أكثر من 2500 حالة يومياً...
ورصد جانب كبير من أسباب تفكك الأسرة وتراجع نسب الزواج مقارنة بحالات الطلاق في حين تشير إحصاءات وزارة العدل السعودية إلى وجود ثماني حالات طلاق تقع كل ساعة، أي نحو 188 حالة يومياً.
ورغم أن غالبية السعوديين يعيشون في ظروف اقتصادية جيدة، إلا أن خبراء علم الاجتماع وجدوا أن من أسباب الطلاق تعدد الزوجات، وضرب الزوج لزوجته وإهانتها، والغيرة الزائدة من جانب الزوجة، ووفقًا لمركز الإحصاء الوطني في تونس، يتم تسجيل ألف حالة طلاق شهريًا، أي نحو أربع حالات كل ثلاث ساعات، ويُعدُّ هذا الرقم كبيرًا حيث لم يتجاوز المجتمع التونسي 12 مليون نسمة، وأهم أسباب الطلاق هناك البطالة، والمشكلات الاقتصادية، وأسباب خاصة بعدم التوافق بالعلاقة الحميمة. وفي الإمارات العربية المتحدة تشير الأرقام إلى ارتفاع ملحوظ بمعدلات الطلاق، حيث سجلت محاكم دبي وحدها 12 ألف حالة طلاق خلال الفترة 2012 حتى 2014 وتبيَّن أن مواقع التواصل الاجتماعي من بين أسباب الطلاق في الإمارات نظرًا لانشغال الزوجين بهذه المواقع طوال اليوم، وإهمال كل طرف للآخر، وساعدت في ذلك الهواتف الذكية، فضلاً عن تعدد الزوجات.
وهناك مطالبات بتعديل القانون أو وضع ضوابط تحد من قدرة المرأة على تطليق نفسها، فرأت معظم النساء أنها مطالبات غير مشروعة ولا يجب المساس بالقانون خاصة أنه حق مشروع للمرأة، ولا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، موضحة أن الخلع حدث بالفعل في عهد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) حينما جاءته امرأة ترغب في الانفصال عن زوجها فسألها أتردين عليه حديقته؟ قالت نعم، فأمر بتطليقها...
وهنا راعت الشَّريعة الإسلامية مصالح العباد، ويسَّرت عليهم ما يحقِّق لهم السعادة في الدنيا والآخرة، ومن مظاهر اليُسر في الشريعة ورعايتها لمصالح العباد إباحةُ أن تختَلِعَ المرأةُ من زوجها وتُنهي الحياةَ الزوجية مقابل مالٍ تدفَعُه لزوجها عِوَضًا عن الأضرار التي قد تلحقه نتيجة الفراق...
وأكدت عدد من الناشطات أن ارتفاع نسبة الطلاق بالخلع أكثر من 83 % من إجمالي حالات الطلاق بالمحاكم، يشير إلى مدى الظلم الذي تتعرض له المرأة، وعدم انصاف القانون لها، فإذا كانت هناك آلية تردع الزوج حال الإساءة لزوجته لما لجأت الزوجة للخلع، ولكن في ظل الافتقاد إلى الآليات المنصفة وطول أمد التقاضي في حالة رفع دعوى الطلاق وتجاوزها سنوات دون الفصل، تضطر الزوجة للتنازل عن حقوقها واللجوء إلى الخلع لأنه يستغرق وقتًا أقل داخل المحاكم.