د. فهد بن علي العليان
أكتب هذه الخاطرة يوم الثلاثاء الثالث من شهر ذي الحجة لعام 1442، وقبل هذا التاريخ بأيام قليلة، وتحديداً يوم الجمعة 29 ذو القعدة 1442، الموافق 9 يوليو 2021م، انتقلت ابنتي الثانية بين أخواتها إلى بيت زوجها الهانئ والأنيق (إبراهيم).
احتفلت العائلة بهذا الزواج بحضور جمع من الأقارب والقريبات، كلهم باركوا وهنؤوا ودعوا وتمنوا أمنيات سعيدة للعروسين.
أنا عشت تلك اللحظات في لهاث سريع؛ من أجل نجاح الحفل والاحتفاء بالعروسين وصولاً للحظة التي حطت فيها سيارة (إبراهيم) قريبة من الباب من أجل أن تغادر معه (سديم) ليذهبا في عالم السعادة، عندها وقفت رفيقة دربي (هدى السالم) تعانقها متشبثة بها، وكأنني أراها عام 1998م، تودعني في مطار (دالاس) في واشنطن عائدة إلى الرياض تحمل جنينها (سديم) في بطنها من أجل أن تضعها صغيرة على تراب نجد، أقلعت الطائرة إلى الرياض وبعد أيام ليست كثيرة يأتيني الخبر وأنا في ردهات مكتبة جامعة أوهايو بقدوم (عروستنا) هذه، التي أنهت هذا العام دراستها في كلية الصيدلة، ثم ها هي تعانقني عند باب سيارة رفيق دربها (إبراهيم) تودعني وتودع أمها، وكلانا يذرف دموع فرحته وسعادته بهذا الزواج، كما أن قلبينا خفقا شوقا إليها قبل أن تدور عجلات سيارة صاحبها.
وقبل تلك الليلة بليلة، جعلت أردد وأرسل في مجموعة (الواتس) الأسرية، ما قاله غازي القصيبي - رحمه الله..
أهي العروس التي يختالُ موكِبُها
شيئاً أراهُ ولكن لا أصدِقُهُ
يا وردة القلب! حيتكِ الورودُ..وما
للوردِ نفحُ عبيرِ منكِ أنشقهُ
تمازج الورد في دمعي.. فيا لأبِ
يلقاكِ بالدمعِ.. والأفراح تخنقهُ
فجاء تعقيب أخواتي اللاتي ابتهجن معي وفرحن لفرحي وسعدن لسعادتي، فلا حرمني الله قلوبهن، كلهن كتبن (الله يوفقها ويسعدها).. فكانت حروفي تتوقف، وأردد:
فيا لأبِ
يلقاكِ بالدمعِ.. والأفراح تخنقهُ
ثم ما لبثت أن عادت بي الذكرى والذاكرة إلى مقالي (الحنين إلى حنين) حين تزوجت ابنتي الكبيرة عقلا وروحا وعاطفة؛ حينها قلت عام 1434هـ: «كم هي قاسية الأيام - رغم سعادتي - حين تفصلنا عن طيورنا فلذات أكبادنا!»، ثم إنني ختمت مقالي بعبارة: «أسعد الله عصافيرنا حيث تحلِّق!».
أكتب عن لحظات وألملم عبارات، ويقف في طريق عباراتي عبراتي التي كانت ترى آخر العنقود من فلذات كبدي (زياد)، ذا السبع سنين، وهو يجرجر دموعه راجيا ألا تغادر (سديم) بيتنا، يرجوها بعد حفلة (الملكة) وهو ببراءته وطفولته ومحبته، لا يريد أن تحين ساعة الفرح وهي لحظة ذهابها، لكنه اليوم يعيش اللحظة والحدث، ولا يرى (سديم) في غرفتها، فيقول كلماته التي تنزف شوقاً إلى شقيقته التي غادرت - بتوفيق الله - إلى مرحلة جديدة مع (زوج) كريم يرعاها وترعاه. غادرت بيتنا وبقيت أنفاسها، كما بقيت روحها، وكل تفاصيلها معنا في بيتنا، ولذلك قالت لها والدتها: «لك فقدة بالبيت». آه ما أرق قلب الأم!
أترحلين فمن للبيت يعمره
من الرفيف حناناً وارف اللينِ
هذه حروف ساقتها عاطفة أب يرى في أسرته الصغيرة سعادة الدنيا وبهجتها، ويرى في بناته العطف والحنان. وهنا لا يجد أمامه إلا أن يرفع كفيه داعياً بالتوفيق لكل عروسين يخفق قلباهما بالمحبة، متمنياً لهما السعادة في بناء أسرة صالحة سعيدة.
ويدرك - وهو يكتب هذه الحروف - أن الدنيا محطات ينزل من قطارها أقوام ويركب فيه آخرون، فأفيضوا أيها الآباء على بناتكم بالعطف والشفقة والرحمة والقرب منهن فإنهن جنتكم قبل المغادرة، ثم ليحسن الأبناء والبنات إلى الذين أحسنا إليهم أطفالاً وشباباً وكباراً.
يفرح الوالدان، فيذرفان الدموع ،،
يحزن الصغار، وهم يتراقصون،،
نعم تزوجتِ لكن أنت طفلتنا
تلك التي تملأ الدنيا بتلوينِ