قيل فواجع الأيام تترى وإن صفت يوماً أعقب صفوها كدر، وهذه هي سنة الحياة والأيام لا تستقيم لأحد على حال فترفع وتخفض وتجمع وتفرق، والإنسان خلق فيها في مكابدة دائمة ما بين أفراح وأتراح وصحة ومرض وتعب ونصب ونعيم وشقاء وقدوم ورحيل واجتماع ومسرة وفراق وحسرة، وما أسعد من كان بها عارفاً لحقيقتها راضياً قرير العين صابراً محتسبا في كافة احواله.
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفواً من الأقذاء والأكدار
وعندما نعى الناعي وفاة العمة (رضية بنت محمد العمراني الحارثي) التي وفاها الأجل المحتوم على فراش المرض فجر السبت 30 ذي القعدة 1442هـ، وما إن بلغني الخبر حتى هاتفت والدتي الصديقة المقربة للفقيدة، وكنت أخشى عليها من وقع هذا الخبر وهي التي سبق أن أخبرتني في آخر زيارة لها بالطائف قبل عشرة أيام من وفاتها عن تدهور صحة الفقيدة وأنها ترقد بالمستشفى ولا يسمح لها بالزيارة مطالبة بأن أتصل بأحد أبنائها في الحال للسؤال عنها والاطمئنان على صحتها، وكان لها ما أرادت فهاتفت ابنها الأكبر (دخيل) وأبلغتها بذلك الا ان وقع خبر رحيلها كان عليها محزنا جداً فردت على مهاتفتي لها وقبل أن أتحدث بأي كلمة فهتفت وبصوت مبحوح حزين وعيون دامعة قائلة: رحلت أختي الكبيرة وصديقتي التي لن أنساها وأنسى مواقفها معي طوال العمر- رحمها الله- وأسكنها جنة عرضها السماوات والأرض لأخذ بطرف الحديث محاولاً التخفيف عنها وملاطفتها وتذكيرها بعدد من الآيات والأحاديث النبوية وبأن هذا هو مصيرنا المنتظر الذي لا مفر منه ولا مهرب وهو نهاية كل إنسان على وجه هذه البسيطة ومذكراً لها بقول الشاعر العربي:
وما المال والأهلون الا ودائع
ولابد يوماً أن ترد الودائع
وقبل أن أنهي معها المكالمة الهاتفية لم تتمالك نفسها الا أن لهجت للفقيدة بالدعاء راجية أن يتقبلها الله بقبول حسن، وأن يغفر لها ما تقدم من ذنبها وما تأخر، وأن ينزلها منازل الأبرار، وأن ينير قبرها ومضجعها بالسرور والنور الدائم إلى يوم العرض والنشور.
لقد عاشت الراحلة وبرفقة زوجها الراحل وصاحب الشيم والمراجل عبدالعزيز بن عبدالله العمراني- رحمهما الله- ومنذ بداية حياتها الزوجية أيام الزراعة والفلاحة في أرض العمارين بميسان رحلة شاقة من الجهاد والكفاح بصبر السيدات المؤمنات الفاضلات الكريمات الأصيلات، وعاشت راضية مرضية قانعة بما كتب الله لها ورغم ذلك فقد عاشت مع زوجها عيشة غبطة وهناء حتى جنت ثمرة تلك الأيام في أبنائها البررة، وكانت طوال أيامها ولياليها حميدة السيرة في محيطها الأسري وكل من عرفها طيبة المعشر نقية الجنان عفة اللسان طاهرة الأبدان عابدة للرحمن، صانعة للمعروف، محبة للأهل والاصدقاء وذوي القربى والصلة والأرحام، ولازلت أتذكر عندما كنا نزورها في عيد كل عام مع والدي وأعمامي- رحمهم الله جميعاً- كيف كانت تستقبلنا بكل بشاشة وحفاوة ومحبة وتقدير، وكأني بأولادها وبعد رحيلها وعندما يفتقدون وجودها بينهم وهم يرددون قول الشاعر:
يعز علي حين أدير عيني
أفتش في مكانك لا أراك
رحمها الله رحمة واسعة ولا يسعني وبعد أن غادرت الفقيدة الحياة الدنيا إلى دار النعيم المقيم الا أن أتوجه بخالص العزاء وصادق المواساة لابنها الأكبر رجل الأعمال دخيل وإخوانه فواز ويوسف وأخواتهم وأسرتهم الكريمة وكافة خامس البنيان وخامس العمراني الحارثي وفي مقدمتهم شقيق الراحلة العم طليب بن محمد العمراني الحارثي وأولاده ورحم الله الفقيدة (أم دخيل) رحمة الأبرار وأسكنها أعالي الجنان وألهم ذويها الصبر والرضا والسلوان، وأذكر هنا بالصبر ثم الصبر واحتساب الأجر من الله مقسم العطايا ومنزل الرزايا.
ولخير حظك في المصيبة أن
يلقاك عند نزولها الصبر
جبر الله نفوسكم وكتب أجركم في مصابكم و(إنا لله وإنا اليه راجعون).
** **
- مشعل عيضة الحارثي