الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تؤكد الشريعة الإسلامية على حرمة إفشاء أسرار المجالس من تصوير أو تسجيل أو تداول، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي تساهل البعض في هذا الأمر الذي يعد بمثابة خيانة للأمانة، وتصرف غير أخلاقي مخالف للشريعة وللأنظمة والعادات والتقاليد.
«الجزيرة» التقت عددًا من العاملين في الحقل الشرعي ليتحدثوا عن السبل الكفيلة لتوعية المجتمع بتلك المخاطر والسلوكيات المشينة التي ينتهجها البعض بقصد أو بغير قصد، والآثار المترتبة على هذه التصرفات الغير محمودة، فماذا قالوا؟.
حفظ السر
يوضح الشيخ حمد بن إبراهيم الحريقي عضو الدعوة والإرشاد: إن من الخصال الحميدة التي حث عليها الإسلام حفظ السر، فالسر أمانة، وقد أمر الله بحفظ الأمانات. وإفشاء الأسرار فيه الدلالة على سوء خلق فاعله، لأنه مدعاة إلى إفساد ذات البين وتخريب البيوت، وهذا ما لا يرضاه الله لعباده ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُول ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: (إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها) رواه مسلم؛ فالإنسان المؤمن مطالب شرعًا بأن يحافظ على الأسرار، سواء كانت أسرار بيته، أو أسرار الناس، وأنه إن اطلع على سر أو أسر إليه إنسان بسر فلا يجوز له أن يفشي هذا السر وأن يفضح صاحبه، مشيراً إلى أنه -مع الأسف- أصبح حفظ السر نادراً عند البعض والأصل في بعضهم هو النشر والفضح بل ربما يفرح الكثير بأي عنوان أو مقطع أو لقاء يصدر بكلمة فضيحة، فالواجب على الجميع معرفة خلق حفظ السر والفضل المترتب عليه، وأن هذا من الأمانة، وذم من يفشي الأسرار وتنبيهه وعدم التعاون معه أو تزويده بالأسرار والتحذير منه، كما أن على المسلم أن يضع نفسه مكان من انتشر سره وفضح كيف سيكون موقفه؟، وعلينا وخصوصاً في وسائل التواصل الحديثة التي ساعدت على نشر فضائح الناس أن نكون ممن يسهم في كبت هذه الفضائح وعدم نشر الأسرار، وعلى الجميع مراقبة الله تعالى في كل أموره.
سلوكيات مشينة
ويؤكد الشيخ زياد بن عبدالكريم المشيقح مدير جهاز الإرشاد والتوجيه بوزارة الحرس الوطني بمنطقة القصيم على وجوب تحلي الإنسان بالقيم الإسلامية في جميع شؤونه بالعمل وفي البيت وفي السوق وفي حضور المناسبات والزيارات وغيرها، ولا يخلو واحد منا إلّا وله برنامج اجتماعي مع الآخرين لحضور المناسبات والمجالس بأنواعها سواء للأقارب أو الزملاء أو الأصدقاء أو الجيران وغيرها، وهذه المجالس في الحقيقة لها حقوق وواجبات نص عليها الإسلام: كالسلام عند الدخول إلى المجالس والخروج منها، والجلوس حيث ينتهي به المجلس، واحترام الكبير وعدم مقاطعة المتحدث حتى ينتهي من كلامه، وغيرها من آداب المجالس، مشدداً على المسائل المهمة التي يجب التأكيد عليها من آداب وواجبات المجالس حفظ حقوق الناس وعدم إفشاء أسرارهم، وخاصة مع وجود التقنية الحديثة في أجهزة الجوال حيث يتساهل بعض الناس في تصوير المجلس، وتسجيل ما يدور فيه من نقاشات وحوارات خاصة وعامة أياً كانت أسرية أو اجتماعية أو تجارية أو زوجية وغيرها من الأمور التي تتعلق بالفرد والمجتمع.
فيجب على الإنسان أن يحبس نفسه على كتمان أسرار الناس، وعدم إفشائها، وعدم نقل ما يدور في المجالس من حديث، فكم كانت سبباً في شتات الأسر والتفريق بين الزوجين والأخوين والصديقين، بل قد تصل إلى التفريق بين الأب وابنه، فهذه السلوكيات المشينة خيانة وغدر وعدم وفاء بالوعد قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولادين لمن لا عهد له) رواه الإمام أحمد.
ويضيف المشيقح قائلاً: علينا السيطرة على النفس وشهواتها ومراقبة الله عز وجل في جميع شؤوننا، ونغرس في نفوسنا الصبر والأمانة، فالمجالس تتطلب منا الصبر على كتمان أسرارها، وتتطلب منا الأمانة في حفظ السر وعدم نشره قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (آية المنافق ثلاث: إذا حدثَّ كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) رواه البخاري ومسلم.
وهذه الآداب والواجبات المتعلقة بالمجالس يتوجب التقيد فيها في قروبات ومنتديات وسائل التواصل الاجتماعي، فلا يجوز نقل ما يدور فيها من حوارات خاصة بأعضاء القروب ونشر صورهم وكلامهم دون إذن منهم.
كشف العورات
ويؤكد الشيخ عايض بن محمد العصيمي الداعية، مفسر الأحلام المعروف أن للمجالس أسرارًا يلزم للعاقل حفظها، وما نشاهده في زماننا من كشف عورات تلك المجالس نذير شؤم وخطر على المجتمع؛ فتجد أن الواحد يقوم بتصوير وتسجيل ما لا يصح نشره للعوام من الحديث الخاص فيستغل غفلة الجلوس بتصويرهم وتوثيقهم وحديث لا يصح أن ينشر، وحتى أسرار البيوت كشفت وكشف حتى اللباس والأكل وكل ما بداخل البيوت، وفي هذا كله شر وذنب لا يجوز فعله، وليتذكر كل من نشر وكشف ستر مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: «من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في قعر داره».
ويسترسل العصيمي قائلاً: ومن ذلك ما يقوم به بعضهم بفتح مكبر صوت الهاتف دون علم المتكلم بحيث يسمعه من حوله وبعضهم يقول مل مني فلان، وقال لي كذا وكذا...، وبعضهم يقوم بالتقاط الـ «سكرين شوتس screenshot» وإرسالها لآخرين أو تداولها دون علم صاحبها، وبعضهم من قلة أدبه عندما يتصل به متصل ينظر في شاشة جواله ثم يتمعر ويتلفظ عليه بأسماء وألقاب مشينة يظهر أنه متضايق منه ومن اتصاله به وأنه ثقيل في مهاتفته، وبعضهم يقوم بفتح الرسائل الصوتية على مسمع من آخرين أو إرسالها لآخرين دون إذن صاحبها، أو إرسال صورهم وهم في المجلس، وهذا كله مخالف للأدب والذوق والتربية ودليل على الجهل والنقص؛ فيجدر للعاقل أن يحافظ على أمانات المجالس التي قد يأثم من يفرط فيها والعياذ بالله.