عطية محمد عطية عقيلان
منذ انطلاق الرسالة المحمدية وهي تزخر بنماذج محفزة لعمل الخير والعطاء وبذل المال والنفس في سبيل العمل الخيري ومساعدة المحتاجين، ومن أكثر العبارات الدالة عليه كلمة «الوقف»، وهي ما يوقفه الإنسان في حياته أو بعد مماته لصرفه في الخير والمساعدة، وتطور الوقف لكثرته من شكل فردي إلى تنظيم بدءاً مع العصر الأموي بإنشاء هيئة وديوان خاص للإشراف على الوقف وتسجيلها، وفي الدولة العباسية تم عمل دائرة «صدر الوقوف» لضبط إدارتها وتحقيق مرادها، واستمر التطور الى يومنا هذا للتعامل مع الوقف إيماناً منهم بأهمية ذلك في مساندة ودعم المجتمعات، وتأثر الغرب بذلك، واستلهموا كثيراً من نظم وإدارة الوقف الإسلامي وأصبحنا نسمع عن وقف خيري في مستشفى أو كرسي علمي إلى آخره من مناحي الحياة.
ويتمنى الإنسان طيلة حياته أن يكون من السعداء في شموله بالحديث النبوي، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، رواه مسلم.
وكثير منا يصاب بالحسرة لعدم القدرة المالية أو الإمكانيات ليوجد صدقة جارية تستمر بعد مماته وينال بها الأجر والثواب، إلا أن الحياة الحديثة أفرزت جوانب خيرية متطورة ومتناسبة مع شكل الحياة المدنية، وأصبح متاحاً لكل فرد أن تكون له صدقة جارية في حياته حسب استطاعته، فبتغريدة وتذكير لعمل إنساني أو حث على فضيلة أو تنبيه لخطأ أو مؤازرة لمحتاج وتعريف بمشكلته لمن يستطيع حلها تنالنا حسناته، رغم أن ما قمنا به مجرد كلمات ونصرة للفضيلة والحق ودعم للمحتاج ولم تأخذ منا سوى ثوان معدودات، هذا العمل الخيري قد يكون مجرد قول أو كتابة فقط، إلا أن أثره وأجره كبير، وهناك باب إنساني وخيري وعملي ودون كلفة مالية ولا تحتاج قدرة واستطاعة ويدوم في حياتك وحتى بعد مماتك ونستطيع جميعنا أن نقوم به ونعمله وهو التعود على التبرع بالدم، والذي يساهم في إنقاذ حياة إنسان محتاج فينالك الأجر والدخول في الوعد الرباني في الآية الكريمة في سورة المائدة {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، وهذه العادة في التبرع هي مفتاح ممارسة عملية لعمل الخير والتعود عليه، وأصبح هناك مجال واسع الآن مع إطلاق أيقونة التبرع بالأعضاء في تطبيق توكلنا لتحفيزنا بالتسجيل والانضمام إلى ركب الرابحين، وقد أكد عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور عبدالله المطلق، جواز التبرع بالأعضاء، وعدّه أحد مناحي الحياة؛ كونه من الصدقة الجارية التي تكون من الحي للحي، أو من الميت للحي، وهذه الصدقة الجارية بالتبرع بالأعضاء متاحة لنا الآن وبضغطة زر من هواتفنا النقالة، ونستفيد منها أيضاً بعد مماتنا وعمل صالح وصدقة جارية للمتبرع، ولمزيد من التحفيز لأثر وفائدة التبرع بالأعضاء هل تعلم عزيزي القارئ أن بتبرعك سواء وأنت على قيد الحياة أو بعد الممات تستطيع إنقاذ 8 أشخاص وقد يصل العدد إلى 50 شخصاً عند التبرع بالأنسجة.
وختاماً.. هذا باب متاح وعمل خيري مفيد لك ولمجتمعك وكل يوم تساهم فيه في بقاء إنسان على قيد الحياة بسبب تبرعك هو خير فائض يرجع لك ويسعدك ويضفي أجراً إضافياً تحتاجه في الدنيا والآخرة، وهو تكاتف محمود بين أفراد المجتمع، وحتماً سيتفيد منه يوماً ما شخص تحبه أو قريب وعزيز عليك أو أضعف الإيمان أن هذا العمل سيرتد عليك أجراً وثواباً وصدقة جارية مستمرة، فلتكن محفزاً لنا للتسجيل والتبرع والمساهمة في أن نكون سبباً في إنقاذ نفس من الموت أو الضرر.