د.سالم الكتبي
قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، خلال مشاركته، مؤخراً في الاجتماع الوزاري حول سوريا في العاصمة الإيطالية روما، إن غياب الإرادة الدولية الفاعلة في حل الأزمة السورية قد أسهم في إتاحة الفرصة لتنفيذ بعض الأطراف مشاريع توسعية وطائفية وديمغرافية تستهدف تغيير هوية سوريا، وتنذر بطول أمد الأزمة السورية وتأثيراتها الإقليمية والدولية». والحقيقة أن الرؤية الاستراتيجية السعودية في هذا السياق صائبة تماماً بل لا تقتصر على الأزمة السورية ولكنها تمتد لتشمل مجمل أزمات المنطقة؛ فلا أحد يجادل في أن غياب الإرادة الدولية هو العائق الحقيقي في تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا، وكذلك في قضايا إقليمية أخرى مثل أزمة «سد النهضة»، التي يخشى الجميع أن تتحول إلى حرب مياه لا تبقي ولا تذر بين دول وشعوب وادي النيل.
السر بالفعل في تفاقم الأزمات في العقود والسنوات الأخيرة يكمن في غياب الإرادة السياسية الدولية، وهو عارض يتجسد في غياب الدور الفاعل المفترض لمجلس الأمن الدولي في نزع فتيل التوترات وإنهاء الصراعات، وهنا قد يقول قائل إن المؤسسات الدولية لم يكن لها دور ملموس في تسوية الأزمات والصراعات منذ إنشاء الأمم المتحدة عام 1945، وبالتالي فالأمر ليس جديداً ولا طارئاً، بينما قد يقول آخر إن مفهوم المجتمع الدولي هو مفهوم زئبقي يصعب تحديده أو رسم ملامحه بدقة وواقعية، وهذا صحيح إلى حد كبير ولكن الأدبيات السياسية اعتادت وصف القوى الكبرى المهيمنة على النظام العالمي وصناعة القرار فيه سواء عبر الأمم المتحدة أو من خلال الكيانات والتكتلات الأممية التي نشأت بعدها وبات لها دور مؤثر في إدارة شؤون العالم مثل مجموعة العشرين ومجموعة الدول الصناعية السبع (أو الثماني) الكبرى، وحلف الأطلسي وغير ذلك من التكتلات، بوصفها بالمجتمع الدولي، وهو مفهوم عابر للكيانات والتكتلات ويفترض أن يشمل كل عواصم صناعة القرار وكل الأطراف والدول والقوى التي تسهم في توجيه بوصلة العلاقات الدولية وتسوية الأزمات وتحقيق الأمن والاستقرار.
الحقيقة التي لا يجهلها الجميع أنه لا أحد من كل هؤلاء بات يضع أزمات المنطقة العربية والشرق أوسطية ضمن أولويات اهتمامه رغم خطورة هذه الأزمات وتنوع آثارها وخسائرها بين الخسائر المادية والبشرية حتى البيئية والثقافية، وهي خسائر ذات تكلفة باهظة لا تقتصر على النطاق الجغرافي الضيق لهذه الأزمات، بل تطول مناطق ودول وشعوب أخرى من العالم، ولعل الأزمة السورية المثال الأوضح على ما أقصده، فالأرقام والاحصاءات الحديثة تشير إلى وجود نحو 7ر6 مليون لاجئ ونازح وطالب لجوء سوري في أكثر من 130 دولة في العالم، وأن هناك نحو 6ر1 مليون طفل سوري لاجئ في دول المنطقة دون سن العاشرة، وهناك 5ر5 مليون لاجئ سوري في الدول المجاورة لسوريا، أكثر من 60 في المائة منهم من النساء والأطفال. وهذه الأرقام المفزعة تشير إلى خطورة استمرار هذه الأزمة، التي لا تحظى بأي اهتمام دولي، رغم أن ملف اللاجئين السوريين بات أشبه بكارثة إنسانية دولية.
لذا يبدو من الأهمية بمكان حديث وزير الخارجية السعودي حول ضرورة التوافق الدولي لوقف المعاناة الإنسانية للشعب السوري، والتوصل إلى حل لأزمة المعابر الحدودية، بما يكفل تدفق المساعدات الدولية لمستحقيها، ومطالبة معاليه بـ «عدم تسييس الشأن الإنساني في سوريا، وعدم إهمال الحاجات الإنسانية للشعب السوري».
الأزمة الليبية هي مثال آخر على غياب الإرادة الدولية، حيث يلحظ الجميع الجمود الذي يحيط بتنفيذ مخرجات مؤتمر برلين ـ1، الذي عقد في يناير الماضي، فرغم وجود قادة دول كبرى مثل روسيا وفرنسا وإيطاليا بجانب قادة عرب والرئيس التركي ورئيسة المفوضية الأوروبية اورزولافون دير لاين ومبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة، فإن الجمود لا يزال يسيطر على العقبة الأخطر.
من المهم الإشارة في هذا الصدد إلى أن الإمارات تشاطر المملكة العربية السعودية الشقيقة رؤيتها للبحث عن حلول للأزمات الإقليمية، وقد تحدثت سعادة لانا نسيبة مندوبة الإمارات لدى الأمم المتحدة في إحدى كلماتها أمام الجمعية العام للأمم المتحدة عن قلق الإمارات البالغ «إزاء تراجع احترام القانون الدولي حول العالم، وترى أن عالم بدون نظام دولي قائم على القواعد هو عالم يسوده الفوضى وعدم الاستقرار، وتنشط فيه العناصر المارقة التي تستهين بالقواعد والأعراف الدولية وتفلت من العقاب. عالم تتعرض فيه العلاقات القائمة على الثقة بين البلدان إلى الانهيار، وتُترك الفئات الأشد ضعفاً في المجتمعات للمعاناة دون أي فرص للجوء للعدالة»، وتابعت قائلة «لا توجد منطقة في العالم يتعرض فيها احترام القانون الدولي للتحديات مثلما يحدث في منطقة الشرق الأوسط».
ومن هنا فإننا جميعاً نعول على دولة الإمارات خلال فترة عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، التي تبدأ العام المقبل في تحريك المياه الراكدة ولفت الانتباه إلى ضرورة التوافق والتعاون الدولي من أجل تسوية الأزمات، واستغلال علاقاتها وشراكاتها الاستراتيجية القوية مع جميع القوى الكبرى من أجل حلحلة الأمور وتحريك المواقف باتجاه البحث عن حلول للأزمات والصراعات وبما يسهم في بث الحياة شرايين النظام العالمي القائم.