منصور ماجد الذيابي
عندما تسقط القيم الإنسانية وينهار برج الأخلاق الحميدة, فإن شبح الشهرة الفاضحة قد يبدأ سريعاً في التشكل والتسلل إلى ضعاف العقول بما يشبه تسلل الفكرة المتسلطة التي تراود النفس وتحث العقل وتدفعه باتجاه اتخاذ قرار التمرّد على منظومة القيم والمبادئ الاجتماعية للخروج عن المسار المألوف والانحراف عن المجال المعروف وبالتالي إغراء المُتمرّد أو المُتمرّدة بالحصول على جرعة من أضواء الشهرة «المعيبة» عند المجتمعات الإنسانية المحافظة التي أسّست كيانها الاجتماعي عبر قرون من الزمن على قاعدة راسخة من القيم الاجتماعية المرتبطة بجذور عميقة من المثل العليا والأخلاق النبيلة السامية.
تعود المشكلة بالنسبة لهذا النّوع من المتمرّدين على القيم إلى وجود خلل في مركز التحكّم بمنظومة القيم عند الشخص مُتّخذ قرار التمرّد, المُغرّر به للتخلّص والتحرّر من تلك المنظومة الاجتماعية وما تحويه من القيم والمثل العليا التي يتوهّم المتمرّدون بأنها تقيّد حركتهم في الوصول إلى دائرة الضوء مما يسمح لهم بالظهور الفاضح أمام الملأ وكسب الشهرة على أنقاض القيم الاجتماعية.
ولذلك فإن هذا النّوع من الأفراد - إن لم يخضع لبرنامج إصلاح اجتماعي مُبكّر- فقد يُسبّب الحرج الشديد للوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه هذا المُتمرّد أو المُتمرّدة منذ عقود من الزمن. وعموماً فإن محاولات الإصلاح قد تفشل في استعادة هذا المغرّد خارج السرب إلى المجال التقليدي والفضاء المألوف إذا ما تأخرت جهود الإنقاذ وانتشلت المُتمرّد قبل أن يغرق ويصل إلى أعماق بحر من الأوهام والأحلام والأفكار المظلّلة التي قد تنجح في تفكيك واختراق منظومة القيم النبيلة.
وفي تقديري, وكما ذكرت في مقابل سابق بعنوان «الوسطية في حياة النّاس», فإننا قد نشهد حالات تمرّد مروّعة ان لم نسارع في وضع استراتيجية اجتماعية لاحتواء الباحثين عن هكذا شهرة قبل أن تسقط القيم لديهم وتتحول إلى رُكام ورماد, فيصعب حينذاك ترميمها وإعادة إعمارها.
وبما أن الفرد يُشكّل جزءاً من الكل, فإن المتوقع من مجتمعه أن يتحرّك لإصلاح الخلل الموجود في الجزء قبل أن يطول تأثيره أجزاء أخرى في المجتمع الكبير. كما أن المحافظة على سلامة النسيج الفكري لهذه القيم الاجتماعية تتطلّب من المجتمع تحصين حدود هذا الغلاف من أي مؤثّرات محتملة قد تهاجم فكر الإنسان عبر وسائل عديدة تنطلق من ثقافات دأبت بعض عناصرها على اتخاذ الغزو الفكري وسيلة لمهاجمة نقاط الضعف في الثقافات الأخرى ذات العمق التاريخي لاسيما عند المجتمعات المحافظة.
وبما أن وسيلة البعض من الباحثين عن هكذا شهرة تكمن أولاً في التحرّر من القيم الأصيلة من خلال التفكير في الهروب إلى خارج مجال السياج الجغرافي, فقد يكون من المفيد أولاً التفاوض مع الشخص الهارب لأجل إقناعه بالعودة إلى حيث نشأت فكرة الهروب من الواقع على أن تُقدّم له أفكار بديلة يمكن من خلالها إعادته طوعياً إلى مجال التمسّك بتلك القيم التي تم سرقتها منه على حين غرّة من وهج الشهرة الفاضحة.
وحتى لا نصل إلى مرحلة يصعب معها إعادة المُنشق عن قيم المجتمع العامة, فالأفضل أن تتم مراقبة حركة فكر الأفراد ومعالجة أي مؤشّرات خلل ما في مسارها العام قبل أن تغادر مجال قبول العقل البقاء ضمن حدود النطاق الجغرافي والنطاق الفكري الذي يضمن سلامة الفرد من التعرّض لأي هجمة فكرية شرسة تهدّد استقرار العقول الضعيفة وغير الراجحة.
وكذلك, ولأجل استعادة العقل المضطرب إلى مجال الفكر الجمعي, فإنه من المهم التفاوض مع عناصر الثقافة التي اختطفت واحتضنت هذا العقل ووفّرت له ملاذاً محرّضاً على الانقلاب على منظومة قيم الضّحية المختطفة فكرياً وذلك أملاً بالتوصل إلى صيغة توافقية تفضي في النهاية إلى تفاهمات ثقافية ترتكز على مبدأ حق المجتمعات في استعادة عناصرها الضّالة وإرجاعها إلى موطنها الثقافي الأصلي من خلال احترام طرق التفكير التقليدية ومنظومة المبادئ الاجتماعية لكل مجتمع وحدود التعايش مع الآخر.
وعلى غرار ما قامت به منظمّات وهيئات دولية بفرض إجراءات احترازية لحماية المجتمعات من الإصابة بالفيروسات المُعدية, فإننا قد نحتاج أيضاً - على الصعيد الثقافي - لمنظومة تدابير وقائية تكون قادرة على إنتاج أجسام مضّادة تعزّز الولاء لتقاليد الوطن وترفع معدّل المناعة ضد الغزو الثقافي الخارجي, وتتصدّى في الوقت ذاته لأي محاولة هروب ثقافية عبر ثغرات في سياج الفكر الجمعي لتلك المنظومة الاجتماعية.
ومن المهم كذلك مراقبة الوالدين لأبنائهم لمعرفة مع من يتواصلون افتراضياً عبر وسائل وشبكات التواصل المختلفة, وتحذيرهم من مغبّة مجالسة ومحادثة غير الأسوياء من البشر.
احذر جليس السّوء ذاك المُعدي الخطِرُ
فلرُبّما أصبحت يوماً مثله لا تستحي
دع عنك من لا حياء فيه من ربّ ولا وجلُ
فهو كمثل الوهن في الأبدان مستشري