رمضان جريدي العنزي
سكنا القرية السريالية الوادعة، بيوتها متناثر كحبات اللؤلؤ، خالية من الضوضاء والفوضى، تتخللها وديان وأشجار والهواء فيها عليل، فيها تشعر بالهدوء والراحة والاسترخاء والتأمل، مساؤها هادىء، وصباحها ندي، أبدا هي مثل قصيدة شاعر متمكن، أو لوحة رسام، أو جميلة فاتنة، قلت لصاحبي سنقطع المسافات الطويلة، سنرحل حيث مزارع التفاح والزيتون واللوز والعنب، سنوقد السراج هناك، سنداوي العمر بعد أن أتعبنا الغياب الطويل، مع دواة الحبر سنكتب قصائد الضنا، لنريح أنفسنا من آلام العناء، سنكتب ونمحو، ونمحو ونكتب، سنرسم لظلنا الرقيق مساند من خشب حتى لا يقع، سنمشي بمحاذاة الطريق الصغير، نمارس المشي كهواية مفضلة، سنغرق في لغة الذاكرة، واسترجاع الماضي العتيد، سنبحث عن الدروب، والتواءات الطريق، والنافذة العتيقة، والغرفة المطلية على السحاب الكثيف، عن موقد النار في الشتاءات الباردة، سننبش الصور، ونوقظ رائحة القدم، سنصعد مع الذكريات كبخار الفجر، سنعيد لأسماعنا المواويل العتيقة، سننتشي عطرالسنين الخوالي، ونبحث عن قربة الماء، وعن مخدة الصوف، وعن اللحاف السميك، والشرشف المطرز، والدوشق الأنيق، والحصير، سنحلق طويلا حتى تصبح أجسادنا مثل عصفور صغير، قلت لصاحبي الأنيق: دعنا ننحدر من تل، لسهل، لطريق، ونمنح أنفسنا تنفس الهواء العليل، وصلاحيتنا في هذا الشأن مطلقة، نبحث عن عشبة وقمر، ونخفق بأجنحتنا لأسراب الطيور التي تمر بمحاذاتنا، عن راعي الغنم في البعد المقابل، يسوق أغنامه من الفجر لحد الغروب، قلت له: سنضفر جدائل الضجر بقصائد من حنين، سنحاول أن نقتنص لحظة مارقة لنوقد القناديل في الحجرة العتيقة التي انطفأت أنوارها، فليس عدلا أن نتسامر من غير قنديل، سنقطف وردة، وننام حتى الصبح، لنشرب حينها فنجان قهوة كي نفيق ونطرد الوسن، هو العمر يسير سريعا مثل طائرة نفاثة، أو لحظة عابرة، من ربيع، لشتاء، لخريف، وما بقي من شيء سوى ذكريات فارهة، نعيد تكرارها مع صحبة فاخرة.