لم تعرف البشريَّة قاطبة ديناً مثل الدين الإسلامي الحنيف، ديناً يزكي القلوب ويضيء البصيرة، ويدعو العقل إلى التفكر والتدبر، والتأمل، والتريث حيث إن الإسلام جاء للناس كافَّة كما قال الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} (سورة الفرقان).
وعلاوة على ذلك فإن الإسلام دين الديمقراطية الحقة، دين يدعو كل مسلم على وجه هذه المعمورة أن يرفع رأسه عالياً وأن يعيش عزيز النّفس، كريم الذات عالي الهمَّة بالسّلوك الحميد، وليس بالتعالي ولا التكبر ولا التفاخر والتجبر ولا التنافر، حيث إن المرء الضعيف قوي بالإسلام، والفقير غني بالإسلام. علماً أن ديننا الإسلامي دين حر لا دين كهنوت ولا رهبانية فإن رسالة نبي الرحَّمة مُحمد بَّن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه لم تفهم جيِّداً - بعد وفاة النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم- والخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم- على الوجه المطلوب حيث إن الإسلام لم ينتشر كما ينبغي نتيجة نسيان المسلمين للأخوة الدائمة في الخير والشر في مجتمعهم، وكذلك في الغنى والفقر، وفي الجهاد والدعة، والكفاح واليسر، وفي الحرب والسلام، فقد نسى المسلمون كل هذا، وراحوا يقيمون مع مجتمعات بعيدة كل البعد عن روح الإسلام الصحيح، بعد أن سيطرت على الدول الإسلامية النظم الرومانية التي شهدوها في بلاد الشام، والنظم الفارسية التي آنسوها في بلاد فارس بعد الفتوحات الأولى مباشرة، مع أن قول الله عزّ َوجلَّ يقول {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} (سورة آل عمران)، فالسبب في ذلك ابتعاد المسلمين عن الإسلام وعن الحياة الاجتماعيَّة فالإسلام دين يدعو إلى التطور، وليس ديناً جامداً ولا منغلقاً فهو رسالة فطرة كما نراها من منظور اجتماعي، فهي الحياة الاجتماعيَّة بكل سماتها الظاهرة والباطنة، فالواجب علينا كمسلمين أن نساير الحياة ونتطور معها طبيعياً وعقلياً واجتماعياً، وإلا تطورت الحياة الاجتماعيَّة وتركتنا متخلفين عن ركب الحضارة والتطور والتقدم.