حرص الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- على تقدم البلاد في جميع النواحي من سياسية وعلمية وإدارية وتاريخية واجتماعية وصحية، وقد حرص -رحمه الله- على تواصل الأطباء العاملين في القطاع الصحي مع المنظمات الصحية الدولية، كما حرص أن يوجد في المملكة العربية السعودية أطباء أكفاء نابغين من ذوي التخصصات المختلفة، فكان الدكتور أحمد شاهر الطباع -يرحمه الله- من أبرز الأطباء الذين قدموا إلى المملكة في غضون عهد المؤسس -رحمه الله- وكان وصوله البلاد في سنة 1359هـ- 1940م، ليعمل في مجال تخصصه النادر -آنذاك-، وهو جراحة العظام، وينحدر الدكتور أحمد من أسرة الطباع بفتح الطاء وتشديد الباء كشداد) الذي يطبع السيف ونحوه، ويقال إن الطباع طبع السيف أي عمله، والمأثور أو الثابت المشهور أن الجد الأكبر الأعلى لعائلة الطباع لقب بالطباع لصنعته طبع السيوف، وهذا الجدر الأكبر رجل من بغداد في غابر القرون الوسطى ونزل دمشق واستوطنها واشتهرت عائلته، وساد ذكرها.
وينتسب كثير من الأعيان النبغاء، والرؤساء النبهاء إلى هذه العائلة العريقة، ومعظم آل الطباع في بلاد الشام يعودون بجذورهم إلى هذه الأسرة الكريمة، وينتسبون إلى محمد بن عيسى بن نجيح الطباع البغدادي (224هـ - 838م)، وعندما نزح البعض من هذه الأسرة إلى دمشق سكنوا قرية ديماس مدة زمنية، معدودة، وهي قرية تبعد عن دمشق خمس ساعات، ويقال في المصادر التاريخية إن سلاطين الدولة العثمانية أوقفوا للشيخ جلال الدين الطباع قرية الديماس في غوطة دمشق.
وقد برز صيت هذه العائلة في أمرين اثنين، وهما العلم والتجارة.
ولد الدكتور أحمد شاهر الطباع سنة 1906م في مدينة دمشق، حيث درس فيها سنواته التحصيلية حتى حصل على شهادة الثانوية العامة، ثم التحق بكلية الطب الكائنة في دمشق -عمرها الله- وبعد حصوله على درجة الليسانس في الطب، سافر إلى فرنسا وهو يريد أن يتخصص في الجراحة العظمية وكان له ما أراد، ثم عاد إلى مسقط رأسه سوريا، ومنها ذهب إلى العراق، فعمل فيها سنتين كاملتين.
هذا وقد أدرك عم زوجته الدكتور رشاد فرعون حاجة المملكة لتخصصه في جراحة العظام، حيث أشار عليها أن يمم وجهته للعمل في المملكة العربية السعودية، فما كان منه إلا النزول عند رغبة عم زوجته الذي كان مخلصاً في دعوته له للعمل في الرياض، وقبل قدومه تزوج من ابنة عمه نهلة محمد صبري الطباع التي كانت وفاتها في يوم الثلاثاء 17/ 3/ 2015م في عمان الكائنة بالقطر الأردني، وبعد زواجه الميمون الطالع سافر إلى الرياض مارا ببغداد فوصل إليها سنة 1359هـ-1940م.
وعرف عن عمه والد زوجته نهلة أنه امتهن حرفة التجارة، حيث قصد نجداً مع موسى فرعون والهدف المتاجرة ببيع وشراء الإبل العربية، وكان لوالد زوجته نهلة نشاط عسكري وسياسي ضد كل من الفرنسيين والإنجليز المنتشرين في البلاد الشامية -آنذاك-، فأعملوا معاولهم لملاحقته والتضييق عليه، وعلى عادة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -طيب الله ثراه- في الكرم والنجدة وحسن الضيافة، حين علم بملاحقتهم إياه، فقد عرف أنه شارك ضدهم في معركة ميسلون الشهيرة والتي كانت في خضم عام 24/ 7/ 1920م به في نجد وأوعز إليه بجواره والبقاء في كنفه، فكان ما أراد الملك المؤسس، وظل في إقامته عند الملك عبدالعزيز معززاً مكرمة ثلاث سنوات، فقد عرف عن المؤسس القدرة على انتقاء الرجال، وسبر معادنهم، فهو من أفرس الناس في اختيار صحبه وصحابه، وحينما وصل الدكتور أحمد شاهر الطباع مع زوجته المصون حيث يقطن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- أحسن رفادتهما، وتذكر المراجع التي عنيت بذكر الدكتور الطباع، أنه عند لقاء نهلة الطباع زوجة الدكتور أحمد بالملك عبدالعزيز أخذت في ذكر سيرة أبيها.
وحسن ضيافة الملك عبدالعزيز له حينما أقام بجواره ثلاث سنوات، وكتبت في مذكراتها ما قاله الملك لها حينما كانت حاضرة في مجلسه، وكان ذلك منه -طيب الله مثواه- على سبيل الضحك والمزاح: لم أنت ضعيفة؟ فأجابت: أنا شق التوأم لأبي، فرد عليها الملك بقوله وهو حاضر البديهة (ليت أبوك وزوجك يعطونك كل واحد منهم بعض اللحم لك) وكان -رحمه الله- يقول لها ذلك وهو مبتسم ضاحك.
وبعد قدوم الزوجين على المؤسس وبعد أن نالا جميل الوفادة، وكريم الضيافة، أرسل الدكتور إلى مكة المكرمة ليبدأ عمله من هناك، فامتثل أمر المؤسس وقضى في أم القرى أربع سنوات، ثم أوعز إليه بالاستقرار في الرياض العاصمة لحاجة الناس إليه، وهناك تم تكليفه بعمل أول وحدة صحية في الرياض، وعرف عنه أنه جراح العظام الأول في المملكة، ويذكر عنه كفاحه وعمله الدؤوب، حيث كان يجري العمليات الجراحية في غرفة ترابية، وأحياناً كانت تجري في البيوت، بعد أن يتم تغطية جدران المنزل وسقفه وأرضيته بالقماش الأبيض، وكان ذلك على سبيل التعقيم، وبعض عملياته الجراحية كان يجريها معتمداً على إضاءة وأنوار السيارات، وأشد فترات العمل كلفة وإرهاقاً في رمضان لأن الناس ما زالت بدائية النشأة، لا معرفة لهم بالمراوح وأجهزة التكييف.
ومن الأعمال المعروفة للدكتور أحمد الطباع عضويته في المجلس الاستشاري لبناء مستشفى الشميسي، هذا وقد أقام الدكتور الطباع في بيروت لبنان مكلفة كملحق صحي استشاري في السفارة السعودية، في لبنان، وقد كان النجاح والفلاح الدائم، فصال في مجاله الطبي وجال، وتم تكليفه بأن يكون مديراً للصحة الدولية في المملكة العربية السعودية، وبعد سلسلة من النجاحات كلف بالإشراف الصحي على شؤون الحج الصحية، وبما أنه المسؤول الرسمي والمباشر عن شؤون الحج الصحية، فقد كان يظهر على شاشة التلفاز بعد انتهاء موسم الحج، ليقدم للناس البيان المعني في الشأن الصحي لموسم الحج، وكما مرّ بنا قبل برهة الإشارة إلى كرم الضيافة الذي حظي به الدكتور وحرمه في كنف المؤسس، ولم يقف التكريم عند هذا الحد، بل منحهما الجنسية السعودية، كما وجه الملك خالد بن عبدالعزيز -رحمه الله- بتقديم عوائد سنوية لأسرة الدكتور الطباع بشكل دائم ومستمر، وكانت هذه اللفتة من الملك خالد تنويهاً بما قدمه للمملكة العربية السعودية خلال خمسة عقود متتالية، وقد كانت زوجته تشير بوفاء إلى هذا التكريم من قبل القيادة السعودية لها لزوجها ولأسرتهما الكريمة، في مذكراتها التي خلفت فيها أجمل الصور عن إخلاص الدكتور أحمد شاهر الطباع ونجاحاته المتكررة في الشأن الصحي السعودي الصاعد، وكانت وفاته عام 1978م -رحمه الله-، وأسبغ على جدثه ما وابل الغفران والرضوان.
... ... ... ... ...
مصادر الترجمة: المجلة العربية- د. عبدالكريم إبراهيم السمك أحمد الطباع
أحمد الطباع الطبيب الأول للعظام عدد (527).
أغسطس 2020م ذو الحجة 1441هـ.
** **
حنان بنت عبدالعزيز آل سيف - بنت الأعشى -
عنوان التواصل: ص.ب 54753 الرياض 11524
hanan.alsaif@hotmail.com