كانت تُسمى المحكمة الكبرى، وكان اختصاصها شاملاً لكل ما يدخل ضمن اختصاص القضاء العام باستثناء ما تختص به المحكمة المستعجلة، ولكن تطوير مرفق القضاء قطع شوطاً كبيراً سواء في الهيكلة الإدارية التنظيمية أو في القوانين الإجرائية وفي مقدمتها نظام المرافعات ونظام الإجراءات الجزائية، بل إن الصورة تغيّرت تماماً فأصبح ذلك الحلم بوجود محاكم متخصصة ماثلاً أمامنا؛ فهناك المحكمة الجزائية والمحكمة التجارية ومحكمة الأحوال الشخصية إضافة إلى المحاكم الإدارية. ولكن بقيت المحكمة الكبرى سابقاً تحمل اسم المحكمة العامة وهي تسمية لم تعد تعطي المدلول الصحيح عن طبيعة اختصاصها فهي في الحقيقة محكمة مدنية تختص بالقضايا والمنازعات ذات الطابع المدني سواءً المالي أو العقاري.
ولأهمية التسمية وما تعطيه من مدلول فإنني أقترح تعديل مسماها لتكون المحكمة المدنية. وهذا المصطلح متداول في معظم دول العالم وربما كل دول العالم لأن الأصل هو القضاء المدني فهو تطبيق للقانون المدني الذي تفرَّعت عنه معظم القوانين السائدة اليوم وفي مقدمتها القانون التجاري وقانون العمل وقوانين الأحوال الشخصية وغيرها وهي من مجالات تخصص المحاكم لدينا ولدى كثير من الدول التي أخذت بالهيكلة الإدارية والقانونية التي تخدم أهدافاً عديدة منها التوافق مع دول منظمة التجارة العالمية وفي مقدمتها المملكة التي انضمت للمنظمة في 11 نوفمبر عام 2005م.
إن القانون المدني يشمل الأحوال الشخصية والأحوال العينية من الناحية الأكاديمية والواقع العملي هو أن محاكم الأحوال الشخصية مستقلة باسمها الذي يدل على اختصاصها وهو قضايا الأسرة بمختلف أنواعها وهي قضايا أو دعاوى محكومة بأحكام الشريعة الإسلامية في الحقوق والواجبات الزوجية وما يتفرَّع عنها ومحكومة أيضاً بمدونة قانون الأحوال الشخصية وهي تقنين لأحكام الفقه الإسلامي في هذا المجال.
ولكن تبقى المحكمة المدنية التي نسميها المحكمة العامة واقترح تعديل مسماها إلى المحكمة المدنية تختص بالمنازعات المدنية بشكل عام عدا ما هو مستثنى من تلك المنازعات المدنية بطبيعتها والتي تدخل ضمن اختصاص محاكم أو لجان قضائية لها تنظيمها الخاص بها.
ولأن مشروع تطوير القضاء مستمر ومحل عمل متواصل فإن من المتوقّع أن يكون لدينا قانون مدني وقانون إثبات وهما موضوع دراسة وعمل دؤوب من قبل وزارة العدل لأنهما مكملان للكثير من القوانين والأنظمة التي أخذت محلها في واقعنا اليوم ولم يعد هناك جدال يذكر في صدد مدى تحقيق ذلك للمصلحة العامة فهذا واضح وبيِّن وتجاوزه الوعي والإدراك الجمعي.
ومن يقرأ نظام المرافعات فيما يتعلَّق بالاختصاص النوعي للمحاكم يجد اختصاص المحكمة العامة اختصاص مدني بحت وهذا يجعل العنوان المقترح (المحكمة المدنية) مناسباً للمضمون والمحتوى ومتوافقاً مع التقسيم الأكاديمي والعلمي للقانون وفروعه وربما يستبق إصدار قانون أو تقنين مدني وهي قد تكون مسألة وقت مقارنة بالتطور والتحديث المتواصل للسلطة القضائية في المملكة العربية السعودية.
** **
- المحامي/ د. أحمد العمري