صبار عابر العنزي
صناعة الحدث تعد من أهم ركائز الإعلام المتقدم فكرًا ونهجًا وبعدًا، فهي تعني القدرة على الفعل وليس ردة الفعل, فصناعته ليست بالأمر الهين ما لم يك هناك مجموعة متجانسة فكريًا تتفق في الرؤى والأهداف وغايتهم واحدة وتخصصاتهم مختلفة، ولكنها تتلاقى في بوتقة المصلحة أو المنفعة المستقبلية, التي لا تخصهم، وفي الغالب تكون النتائج كبيرة تخدم وطناً أو أمة أو مذهباً دينياً لا أفراداً.
فالأحداث المهمة تأتي ثانيًا بعد النبأ من حيث الأهمية والقيمة، إذ تستحوذ على طيف فضائي ومساحات ورقية أو ذبذبات إلكترونية, وتحليلات معدة مسبقًا وصور تلون وتشكل قوالب هذا الحدث حتى يجمع الركبان على أهميته القصوى ويكون تأثيره على الرأي العام فعالاً. وهو في واقع الأمر حدث ذو مغزى وله أهداف وأجندة وسيناريو معد مسبقاً ومدروس وفي الغالب الحدث يضخم المشكلة التي تم ايجادها أو العزف عليها.
لذا شهدت الفترة الأخيرة من القرن العشرين تطورًا كبيرًا وامتد هذا التطور ليشمل أجندات قابلة للتنفيذ يرسمها ويخطط لها الأقوياء لا الضعفاء، فالقوي قادر على الصناعة والتأثير، على كافة المستويات الفردية أو المؤسساتية أو الاجتماعية أو الإقليمية أو الدولية، أو ما يخص الشأن الاقتصادي والعلوم والتقنية.
وصناعة الحدث نتاج فكر وعلم وشموخ واقتدار وهي صناعة تقوم على مقومات عديدة وأساسية تعمل للمستقبل وليس للماضي وبهذه الصناعة إذا أحسنا تنظيم وترتيب وانتقاء أصحاب الفكر والتخصص، فإننا نستطيع أن نُعيد العقل لمنطقتنا ولعالمنا، ونعيد السلم والأمن ونملك مقدراتنا ونحافظ على شعوبنا من الانزلاق نحو هاوية ما يخطط له.
وهناك البون شاسع بين من يستقبل الحدث أو يعيش فيه أو يتعامل معه كواقع يشاهده ويستمع له ويستسلم له، ويعتبره مسلمة من المسلمات غير القابلة للتغيير. كما تختلف أنواع الأحداث باختلاف الهدف المقصود حدوثه، وتتفاوت صناعته بقدر القدرات والإمكانيات, على سبيل المثال نجد في كثير من الأحيان قد لا يكون رب العائلة هو من يصنع الحدث في محيط عائلته، بل من يصنعه أحد أفراد العائلة الذي يملك أدوات التأثير.
أما على صعيد الدول فعندما تعيش الدولة سجينة عاداتها وظروفها فهي دولة تعيش الحدث وتشاهده وتتأثر به، ولكنها لا تصنعه وإنما الحدث يصنع تاريخها وحاضرها ومستقبلها.
فقد صنعت بريطانيا أحداثاً للمنطقة وللعالم بفعل وقرار واحد، وذلك بتقسيم الهند على سبيل المثال لعدة دول مثل باكستان الشرقية والغربية والهند وكشمير, ولكم أن تتصوروا كيف صنع هذا التقسيم حروباً ومآسي وصراعاً طويلاً متجدداً قائماً لليوم، وما يزال يصنع الكراهية والتنافر.
لذلك لابد أن نعيد الفكر والتقدير في كل ما يحيط بنا من وقائع وأعمال وظروف وأحداث نعيش فيها اليوم، وتتكرر فيها الأحداث بنفس الرتم والإيقاع والنغمة حتى أصبح عالمنا لا يستطيع أن يسمع غير ذلك.
وأخيرًا.. الإعلام العربي معظمه يفتقد لكثير من القيم الإنسانية النبيلة لعل في مقدمة ذلك المصداقية والموضوعية والشفافية والأمانة.
فالقائمون على هذه المنابر مثل الببغاوات يرددون ما يصل إلى آذانهم دون أن يمر ولو مرور الكرام على عقولهم.
وإذا اجتهد بعض منهم فإنهم يعتمدون على فكر ومراكز البحوث الأجنبية الكبرى، بل إن هناك دولاً تقوم وكالات الأنباء الخمس المهمة بنشر أخبارها قبل بثها أو نشرها من تلك الدول.. هل هناك اختراق؟.. ربما.
نحن في الوطن العربي لا نريد صناعة الحدث ولا نريد من إعلامنا إلا انصاف الحق ومخاطبة وجدان وضمير الأمة وزرع قيم الفضيلة ومخافة الله في جيل شرق به الفكر وغرب، وهو يقف على أرضية صلبة ومتينة تستمد كل قيمها وشيمها من أرض العروبة المتشبعة بالقيم الإيمانية المستمدة من عقيدتنا الإسلامية.