لعل القارئ أو المطلع على المسارين التاريخي والجغرافي في المنطقة يسهل عليه تفسير أهمية رفع وتيرة التعاون الاقتصادي بين سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين الشقيقين في هذا الوقت تحديداً، وقد يعزى تواضع التبادل التجاري والاستثماري بين الدولتين في الحقبة الماضية بشكل رئيس إلى تماثلهما والمساهمة السخية للقطاع الهيدروكربوني في توفير الإيرادات المالية التي مكنت الدولتين من بناء مقومات الدول الحديثة على مستويات عدة أهمها البنية الأساسية والخدمات الرئيسة كالتعليم والصحة وغيرها.
وقد لا نبالغ إذا قلنا إن ما سبق بنجاحاته ونقلاته النوعية للبلدين لم يحقق دوره المأمول بشكل أو بآخر تجاه تنمية القطاعات الاقتصادية وربط النمو المتحقق ببناء قطاع خاص قوي قادر على المساهمة بأعباء التنمية التي ظلت الحكومات تقوم بها.
وعلى الرغم من التحسن الملموس في أداء القطاعات غير النفطية والقطاع الخاص في البلدين إلا أنها ظلت تعتمد على منظومة الحكومة التي كانت تعتمد بدورها على أداء الإيرادات الهيدروكربونية. الأمر الذي ترك اقتصادات الدولتين تعاني حساسية مفرطة لتقلبات أسعار النفط وأنماط سلوك الدول المستهلكة والتغيرات في جانبي العرض والطلب.
لقد غيرت الأوضاع والمتغيرات الاقتصادية والجيوسياسية فكرة التنمية. فاليوم، يمكن للدول - أن أحسنت اقتناص الفرص التي تتيحها لها تلك التغيرات - أن تعتمد على رأس المال والتقنية والأسواق والأفكار وغيرها من دول أخرى، وذلك من خلال ما يسمى بالإدارة الذكية للموارد، حيث يمكن ذلك بالاستفادة من المزايا النسبية والأموال والمواد الخام اللازمة للإنتاج، ومن ثم الإنتاج المشترك نحو الأسواق العالمية من خلال سلاسل توريد تنافسية.
ومن الموضوعية أن نتفق على أهمية تعظيم المصالح والمنافع المشتركة، فقد أفرزت محركات العولمة المرتبطة بالتقدم التكنولوجي وثورة المعلومات والاتصالات، وعولمة عوامل الإنتاج وسلاسل التوريد العالمية قواعد ومبررات جعلت من التكامل الإقليمي وتقسيم العمل والتبادل بين بلدان منطقة جغرافية واحدة ضرورة لزيادة التكامل مع الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية وحركة تدفقاته المالية عبر الحدود تجنبًا لتهميشها اقتصاديًّا وضمانًا لتعزيز استفادتها من التطورات المواتية للعولمة، ودون الاستغناء بحال من الأحوال عن التنمية الاقتصادية الداخلية في كل دولة. وهي في الحالة العمانية السعودية مكفولة من خلال رؤية المملكة 2030 وعمان 2040 والتي تتبنى جميعها تحولاً نوعياً للنموذج التنموي القائم على الدور المهيمن للحكومة والاستيراد للسلع والخدمات والعمالة غير الماهرة الرخيصة لتلبية الطلب المحلي إلى نموذج تنموي قائم على تعدد قاطرات التنمية قوامه الإنتاج والتصنيع المحلي وتعزيز الصادرات وتصميم نموذج تعاون دولي ذي قيمة مضافة.
ولا يخفى أن الدولتين تمتلكان العديد من المزايا النسبية القابلة للتكامل أكثر من التنافس التي من شأنها تعزيز تنافسية المنتجات السعودية والعمانية في الأسواق العالمية، منها على سبيل المثال لا الحصر قطاع اللوجستيات والذي تمتلك فيه عمان ميزة جغرافية وإطلالة على ممرات مائية واسعة قريبة من الأسواق الإفريقية والهندية والآسيوية وهي ذاتها الأسواق التي تستهدفها المنتجات السعودية، حيث إن وجود ممر بري مباشر عن طريق منفذ الربع الخالي وأنبوب نفط لنقل حقل الشيبة وغوار عبر الأراضي العمانية سيعمل على تعزيز التنافسية من خلال تقليل تكلفة الشحن، والتأمين والمدد الزمنية التي يحتاجها للمرور من الممرات المائية الخطرة وغير المستقرة. وكذلك الحال فيما يتعلق بقطاع الثروة السمكية الذي تمتلك فيه عمان مخزوناً كبيراً جداً ومصائد مفتوحة مطلة على المحيط الهندي، وتحتاج السلطنة إلى شريك استراتيجي ليس لفتح الأسواق والتي من بينها السوق السعودي ولكن شريك قادر على ضخ استثمارات مالية لرفع كفاءة وتعظيم الاستفادة من هذا المورد الطبيعي المتجدد وبما يتوافق مع مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أعلنت عنها المملكة.
ويتكرر الأمر نفسه في قطاع التعدين الذي تمتلك فيه عمان مزايا متعددة لبلد شاسع المساحة ويمتلك مخزونات كبيرة عالية الجودة من المعادن المختلفة، وقطاع السياحة الذي تجتمع فيه تركيبة المجتمع المحافظ والآمن بين البلدين.
وعلى الرصيف الآخر، فإن ترجمة التكامل المنشود تستوجب دوراً نشطاً للشركات العمانية والسعودية لمد جسور التعاون فيما بينهما لتأخذ دورها كلاعب فعلي في ميدان الاستثمار والإنتاج والتصدير والتشغيل وهو ما ينسجم مع رؤية البلدين المستقبلية، حيث تمثل المصالح الاستراتيجية في القطاعات الاقتصادية مفصل نجاح العلاقات الدولية كما في تجربة دول أوروبا التي دام الوفاق والتعاون والوحدة بينها كنتيجة لبناء منظومة مصالح اقتصادية مشتركة.
إن العلاقات والشراكات الاقتصادية الدولية خاصة بين دول الجوار مورد تعمل الدول على الاستفادة منه. ولقد أتاحت العولمة العديد من الفرص للدول لتنمو وتزدهر متى أخذت بالأسباب ورفعت مستوى جاهزيتها لاقتناص الفرص، وذلك إيماناً منها بأن التنمية لا تحدث تلقائياً وإنما تحتاج إلى فهم أكثر عمقاً لمختلف المتغيرات الاقتصادية وجذور الترابط والتفاعل فيما بينها.
ويتعين التنويه إلى أنه لا توجد وصفة سحرية معينة تجعل أي من البلدين مستعداً لمواجهة تحديات المستقبل وإنما يعتمد ذلك على مدى الجاهزية والمعايير المسبقة لتحقيق التنمية المستدامة. ولذلك فإن أفضل طريقة للاستعداد أو صناعة المستقبل يتعين أن تكون من خلال غرس وتعزيز العديد من المبادئ التي تخدم مصلحة البلدين وفق نموذج عادل ومتكافئ. وبالمحصلة فإن الدولتين تمتلكان رصيداً من البنية الأساسية والموارد الطبيعية والبشرية وجاهزية مدعومة بإرادة سياسة تمكنهما من تحقيق النقلة النوعية المنشودة والتي يرى الكثير من المحللين أنها ضرورية وحتمية، وهناك مساحة ضيقة - جدا- لتسريع الخطى وتنفيذ إنجازات حقيقية في ميادين الإنتاج والتشغيل لتحقيق التحول المطلوب للوصول إلى المستقبل الذي نصبو إليه في البلدين.
** **
د. يوسف بن حمد البلوشي - سلطنة عمان/ مؤسس البوابة الذكية للاستثمار
yousufh@omaninvestgateway.com