منال الخميسي
إنه غير مهتم، لا يشعر بالمسؤولية، تتساوى لديه كل الأفعال وردودها، ينام بالنهار ويسهر طوال الليل، لا يحافظ أو بالكاد يؤدي فروضه الدينية،،،،
كم بيت من بيوت مجتمعاتنا العربية قال هذه الجمل؟ وكانت له الشكوى نفسه من ابن أو بنت في سن المراهقة أو حتى من بلغ منهم سن الشباب، الكثيرون يتساءلون عن السبب الذي يقف وراء عزوف الأبناء وبطريقة واضحة وملموسة عن الانخراط في الحياة الأسرية العادية أو القيام بمهامهم الدراسية أو المساعدة في الأمور الحياتية للأسرة، والبيت الذي يضمهم.
ولو نظرنا لهذا السلوك بموضوعية وبعيدًا عن وضع الوالدين في موضع المجني عليهم أو الأشخاص المصدومين بتصرفات الأبناء، ولو جلسنا معهم نستحضر الأحداث والدوافع التي قذفت بالصغار في بحر من السلبية والتواكل وضمان النتائج والتعامل بذكاء مع ردود فعل الوالدين التي في كثير من الأحيان تكون متكررة لتوضع في ذاكرتهم في دليل المستخدم أمام كل موقف تُستحضر وتُستعمل بكل بساطة وسهولة.
هم لم يكونوا السبب الرئيسي في تكوين شخصياتهم بهذه الطريقة،
فوراءهم أم تخاف وتجبن أمام أي تجربة أو خطأ يتعرضون له منذ بداية طفولتهم وإلى الآن فتجري دائمًا لحل مشكلاتهم والتصدي أحيانًا لمن يكونوا هم على خلاف معه تزلل لهم العقبات كافة حتى لا تراهم يتألمون، تعتبر حوائط المنزل هي الحصن المنيع الذي يحميهم من شرور الحياة، ترتب ملابسهم وتعد لهم دروسهم وتعد لهم الطعام الذي يفضلون كل على حدة.
لا يعرفون شيئًا عن المسؤولية تجاه أسرتهم، لم تتم مشاركتهم في المناقشات العائلية والقضايا التي تتعرض لها الأسرة، لم تُسند إليهم في يوم من الأيام التصدي لمشكلة ومحاولة حلها، دائمًا تبعدهم عن التدخل في النقاش مع والدهم أو يقوم بذلك الأب بنفسه ينحيهم جانبًا كي لا يشعروا بأعباء الحياة.
ليصبح جل اهتمامهم تحقيق مطالبهم لا يعلمون من أين تأتي مصروفاتهم ولا ما هي ميزانية بيتهم، ولا يدركون كم المعاناة التي يتكبدها والدهم لتوفير هذه المتطلبات.
لم يفرق الوالدان بين السن الذي يتم دلال الأطفال فيه وبين العمر الذي لابد وأن ينخرط جميع أفراد الأسرة في الوقوف بجانب بعضهم بعضًا لمواجهة مشكلة أو عارض ما.
أطفال في أجسام كبار يعرفون ويدركون أنهم وُجدوا في الحياة كي يتحمل عنهما الوالدان العبء في كل شيء. وعندما يريدان إشراكهما حتى في مجرد الاستماع إلى مشكلة ما فسوف يأتيهما رد الأبناء (أنت يا أبي أو أمي قادر على الحل)، هذا لا يعنيني.
غرف داخل البيوت مغلقة على كل ما يريده الشاب أو الشابة في مراحل المراهقة أو الشباب من ملهيات وأجهزة تغنيه كل الغنى عن تواجده ضمن أسرته، ويصبح الملل أول شعور يتبادر إلى ذهن الأبناء عندما تقع أعينهم على الوالدين، وخوف وهلع كبيران من أن يُطلب منهم شيء أو تُسند إليهم مهمة ما داخل أو خارج البيت.
الدلال الزائد وحجب الأبناء عن الانصهار داخل الأسرة والمجتمع يخلق هذا النوع من الشخصيات الأنانية المتواكلة التي تقدس الذات ولا تأبه أبدًا بما يدور خارج محيطها الشخصي. المستوى المادي المرتفع أو المنخفض ليس له علاقة أبدًا بهذا النوع من التربية ولكن أسباب وعوامل أخرى تجعل الأمهات أو الآباء يضعون أبناءهم في موضع المتفرج الذي لا يعرف مسؤولية ولا يعي ما يجب عليه من بينها:
التأخر في الإنجاب الذي يعتبر أحد الأسباب التي تجعل الوالدين أكثر تدليلاً لطفلهما الأول وخاصة إذا وُلد بعد سنوات طوال، كذلك اعتماد الأمهات على مربيات، لا تعرف إلا أن تنمي لدى الابن مفهوم الاستهلاك فقط في الطعام والملبس والاحتياجات الشخصية دون التدريب على أعمال العقل أو المشاركة الحياتية في المنزل والأسرة.
اعتماد الوالدين على أحد جدود الطفل أو كليهما في تربيته وبذلك بكون منسوب الدلال مرتفعًا ولا يمكن لأحد أن ينتقد أو يعدل أو يقلل من تدليل هذا الابن وبالتالي يكون بعيدًا كل البعد عن معرفة واجباته قبل حقوقه.
الأسر الناجحة المترابطة هي من تشرك أبناءها منذ سنوات طفولتهم الأولى في المسؤولية العائلية والمساهمة كذلك، فيوضع الميزانية المادية ومعرفة في أي بند تنفق وتقوية معنى وسلوك الإيثار، وتفضيل الغير قبل النفس خاصة إذا كان الغير: الوالدان، والأخوة. الخوف الزائد على الطفل من الضيق أو الحزن أو التعب الجسماني يخلق شخصية هشة ضعيفة لا تستطيع اتخاذ القرار أو المشاركة فيه. حياة الأبناء ليست كلها مأكل وملبس، وإنما إرساء قيم وتعليم مبادئ وصقل مواهب وتعليم للمشاركة.
أنت حين تجنِّب أطفالك الذين لا يكبرون في عينك أبدًا أيًا من المشكلات التي تتعرض لها العائلة أو البيت فإنك تجنِّبهم أيضًا فائدة التعلم والمواجهة والإصرار ومعرفة كثير من فنون تخطي العقبات، بل ولذة الحياة بعد الانتصار أو النجاح في إنهاء مشكلة ما، وقبل أن تطلب منهم أن يستجيبوا للحلول السهلة لمشكلاتهم والتي تضعها أنت، اجلس واستمع للحلول التي يقترحونها لحل مشكلة ما تواجهك أو تواجه العائلة، حتى خلافاتك مع إخوتك أو أخواتك أو أصدقائك، حاول أن تشركهم بوضع حلول لها والأصغاء التام لما يقولون، لا أقول التنفيذ ولكن الإصغاء التام باحترام، وحين يكون أبناؤك في مواجهة عارض ما تأكد أنهم لن يبحثوا كثيرًا عن من يحلها معهم وستكون أنت أول وجهة لهم، احترام عقل الصغير والإصغاء له يترك أعظم الأثر لديه ويشعره أنه عنصر مهم في الأسرة لا يمكن الاستغناء عنه وبالتالي تكبر قيمته أمام نفسه وثقته لا يمكن أن تهتز أبدًا فلا تجده ينزوي أبدًا في ركن بمنزلك أو يكون دائم الوجود والاختباء في غرفته.
فشعور الفرد بقيمته والرغبة في وجوده تجعل منه مشاركًا فاعلاً في كل ما يخص أسرته وتجده بالتالي شخصًا أكثر نجاحًا في تكوين أسرة يكون عمادها المشاركة والانتماء للأسرة الأكبر.
شخصية الوالدين المستبدة بالرأي وتجنيب الأبناء مشاركتهم من الممكن أن تنتج نوعين من الشخصيات غير السوية، أما طفل مستبد لا يقبل رأي الآخرين عندما يكبر أو حتى في سنوات مراهقته، أو طفل آخر منزوٍ لا يشارك ولا يكون لها هتمام بما تكون عليه عائلته مهما حاول الآباء بعد ذلك تدارك الأمر أو تغيير سياستهم معه.
البعد عن سياسة العصا والجزرة واعتمادها كأسلوب في التربية هذا الأسلوب دائمًا ما يعتمده الوالدان في ترهيب الأبناء ومكافئتهم بعدما يستجيبوا للترهيب فينتجوا شخصيات أكثر تخوفًا وترددًا في حل الكثير مما يواجهون من مشكلات.
من الأفضل أن تضع منذ البداية الأخطاء وعواقبها وبطريقة منطقية ثم تترك لهم الحرية مع المراقبة في اختيار الأسلوب المناسب في التعاطي مع ما سيواجهون من قضايا وتحديات.
كثيرًا ما نسمع عن الاستثمار في الأبناء والكثير منا يختزله فقط في التعليم أو اكتساب اللغات. ولكني أرى أن أكبر استثمار في حياة أبنائك هو أن تجعلهم شخصيات فاعلة في أسرتك أولاً، وبالتالي في مجتمعهم، وكذلك في تكوين أسرهم الصغيرة فيما بعد، وإلا ما تكون الفائدة من تعليم أبنائك تعليمًا عاليًا وهم يجهلون كيف يديرون حياتهم وما تطلبه أسرهم الكبيرة والصغيرة حين تكون أيضًا في احتياج لهم لا يمكن أن تجدهم لأنهم تعودوا على الأنانية وتفضيل الذات وأنك فقط مجرد ممول مادي لم تنمُ بينكم مشاعر المودة الأسرية والمشاركة.
في كثير من الأحيان نقابل نموذجين متضادين في معاملة الآباء لأبنائهم، ففي بعض الأحيان تجد والدين يعاملان الصغار أو المراهقين بنوع من الاحترام والأصغاء والصبر على الأخطاء ومحاولة تهذيبها بطريقة أكثر احترافية، والنتيجة تكون رائعة في تعامل الأبناء بعد ذلك مع الغير ومع باقي أفراد أسرتهم ومع من يصغرهم أيضًا. والنموذج الآخر والذي يمثل الغالبية العظمى من الأسر في الوطن العربي وهو اعتماد العصبية والشدة وأحيانًا العنف وفي بعض الأحيان أمام الغرباء بما يجعل الصغار في حرج، وبالتالي انزواء وعنف مع الآخرين ومع من يصغرونهم. وبالتالي انتهاز الفرص للوجود بعيدًا عن الاجتماع مع الأسرة وعدم الاحتكاك بطريقة أو بأخرى مع أحد الوالدين أو كليهما.
وجود الأبناء في حياة الأسر هي أكبر نعمة من الخالق، هم زينة الحياة الدنيا، كثير من يفسر الزينة على أنها شكل جميل فقط وملابس مهندمة وبطون تُملأ بالطعام الفاخر، ولكن الأمر يختلف كثيرًا، فالحياة لا تزدان إلا بقرة عين، يكون فردًا صالحًا ومشاركاً فاعلاً لا متفرجًا ولا مختبئًا وراء حائط الوالدين غير الدائم، فقط
دعه يشارك،،،!